«يا صاحبى، إنى حزين/ طلع الصباح، فما ابتسمت، ولم ينر وجهى الصباح/ وخرجت من جوف المدينة أطلب الرزق المتاح/ وغمست فى ماء القناعة خبز أيامى الكفاف»
تمر اليوم ذكرى رحيل الشاعر المصرى الكبير صلاح عبدالصبور، الذى رحل فى 13 أغسطس 1981، واليوم أيضا يعيش الشعب المصرى حالة سيئة بعد حادث قطارى الإسكندرية الذى راح ضحيته نحو 40 متوفيا و130 مصابا، فما الذى يجمع بين المناسبتين؟
نعم.. يجمع بينهما الكثير من الجوانب، أولها الحزن، فقد وقع صلاح عبدالصبور فريسة للحزن فكتب عنه وعاشه، كما أن الشعب المصرى يعيش حاليا حالة من الحزن الشديد بسبب الحادث الأليم والضحايا الذين لا ذنب لهم.
«والحزن يولد فى المساء لأنه حزن ضرير/ حزن طويل كالطريق من الجحيم إلى الجحيم/ حزن صموتْ/ والصمت لا يعنى الرضاء بأن أمنية تموت/ وبأن أياماً تفوت/ وبأن مرفقنا وَهَنْ/ وبأن ريحاً من عَفَنْ/ مس الحياة، فأصبحت وجميع ما فيها مقيت»
ثانى الأشياء هى «المباغتة» فصلاح عبدالصبور، صاحب فاجعة الموت الشهيرة فى الثقافة العربية المعاصرة، الذى قتلته كلمة وتركت فى حلوق المثقفين غصة لا تنتهى، وتداولت الحكاية بأن الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى كان قادما من فرنسا وذهب عبدالصبور وعدد من رفاق الشاعر للسلام عليه، وهناك أثير ما كان من موافقة الدولة على مشاركة الكيان الصهيونى فى معرض الكتاب الذى تنظمه هيئة الكتاب التى كان يرأسها صلاح عبدالصبور، واعتبر بعض الحاضرين أن صلاح شارك فى التطبيع مع جيش الاحتلال، واحتد الكلام الذى انتهى بأزمة قلبية فارق على إثرها الشاعر الكبير الحياة.
أما ضحايا حادث قطار الإسكندرية فقد جاءهم الموت بغتة دون توقع، لم يدر فى خلد الواحد منهم أن هناك إهمالا واستسهالا كامن يتربص بهم وينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليهم، وأن حياتهم ستنقلب رأسا على عقب فى ثوانٍ معدودة.
«يا تَعْسَها من كِلْمة قد قالها يوماً صديق/ مغرى بتزويق الكلام/ كنا نسيرْ
كفى لكفيه عناق/ والحزن يفترش الطريق/ قال الصديق: يا صاحبي!./ ما نحن إلا نفضة رعناء من ريح سموم»
كذلك يجمع بين صلاح عبدالصبور وضحايا القطار جانب ثالث هو «الأحلام الضائعة» لم يحقق صلاح عبدالصبور أحلامه، فكل ما تركه كان عددا محدودا من الدواوين الشعرية والمسرحيات، وهذا القدر وضعه فى مصاف كبار الشعراء، لكن صلاح كان يملك أحلاما أخرى لم يمهله الموت لتحقيقها.
كذلك فإن ضحايا القطارين كانت لديهما مئات الأحلام التى انتهت عند المتوفين أو تعطلت لدى المصابين، وأصبحت المعاناة هى السبيل الوحيد الموجود أمامهم لفترة مقبلة، لم تتضح بعد.
«يا صاحبى!/ زوِّق حديثك، كل شىء قد خلا من كل ذوق/ أما أنا، فلقد عرفت نهاية الحدر العميق/ الحزن يفترش الطريق».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة