تونس تحطم "تابوهات" المساواة.. الرئيس يكلف بصياغة قانون يساوى الجنسين فى الميراث ويجيز زواج مسلمات من ديانات أخرى.. مراقبون: الإخوان عقبة أمام تحقيق حلم التونسيات.. موافقتهم رهن صفقة سياسية.. ومطالب بعزل السبسى

الإثنين، 14 أغسطس 2017 01:28 م
تونس تحطم "تابوهات" المساواة.. الرئيس يكلف بصياغة قانون يساوى الجنسين فى الميراث ويجيز زواج مسلمات من ديانات أخرى.. مراقبون: الإخوان عقبة أمام تحقيق حلم التونسيات.. موافقتهم رهن صفقة سياسية.. ومطالب بعزل السبسى الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى
كتبت آمال رسلان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بعيدا عن الخلافات السياسية وحالة الاستقطاب التى يعيشها الشارع التونسى قبل الانتخابات البلدية التى ستجرى فى ديسمبر المقبل، فجر الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى قنبلة هزت الأوساط الاجتماعية فى البلاد، حيث أعطى إشارة البدء - بمناسبة العيد الوطنى للمرأة – لتفعيل المساواة بين الرجل والمرأة فى كافة المجالات.

 

تلك المساواة التى نادى بها السبسي ليست كمثيلاتها فى المنطقة العربية بل إنها تتخطى بعض "التابوهات" التى تحرم بعض الدول المساس بها، حيث شكل السبسى لجنة للبحث فى الصيغ القانونية والنظر فى إرساء المساواة فى الإرث، والبحث عن صيغ لا تتعارض مع الدين ومقاصده ولا مع الدستور ومبادئه، كما وجه إلى وزير العدل دعوة لإعادة النظر فى المنشور رقم 73 الذى يمنع زواج المرأة التونسية بأجنبى غير المسلم.

 

وقال السبسى فى كلمته أمس فى قصر قرطاج أمام حشد من السياسيين والحقوقيين، إن هناك متغيرات تمت على صعيد الواقع، من بينها سفر المرأة إلى الخارج سواء للعمل أو الإقامة فضلا عن زواج العديد من التونسيات بأجانب، تتطلب إعادة صياغة المنشور 73 بشكل جديد يتناسب مع الواقع الجديد، داعيا رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير العدل إلى العمل مع مؤسسة رئاسة الجمهورية على تغيير المنشور وفق ما يقتضيه الفصل السادس من الدستور مشيرا إلى أن الفصل 6 يقر بحرية المعتقد والضمير و يحمل الدولة بتكفل ذلك.

 

خطاب الرئيس التونسى جاء صادما لأوساط الإسلاميين فى تونس، لذلك عمد السبسى إلى محاولة تخفيف وطأة حزمة القرارات التى أمر بها، حيث برر قراراته بأنها تأتى من منطلق مسئولية الدولة والتزامها بتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وضمان تكافؤ الفرص بينهما فى تحمل جميع المسئوليات.

 

وفى محاولة لامتصاص ثورة الغضب التى قد تشعلها تلك القرارات بين أوساط كيانات الإسلام السياسى فى تونس، قال السبسى "لدى ثقة فى ذكاء رجال القانون، وسنجد صيغ قانونية لتجنب الاصطدام بمشاعر التونسيين، مشددا "لن نمضى فى إصلاحات قد تصدم مشاعر الشعب، الذى فى أغلبه مسلم، لكننا نتجه نحو المساواة فى جميع الميادين"، وأردف "مقتنعون أن العقل القانونى التونسى سيجد الصيغ الملائمة التى لا تتعارض مع الدين ومقاصده، ولا مع الدستور ومبادئه فى اتجاه المساواة الكاملة".

 

وتابع، أن المساواة فى الإرث هو من "أمور البشر"، التى تُركت لاجتهاد الأشخاص وأنها ستكون لبنة لتفعيل مساواة كاملة بين الجنسين، مؤكدا أن المرأة أصبحت مساهمة فى الحياة الاقتصادية فى تونس وهى تساهم بنسبة 45%  فى مصاريف العائلة وتتحصل على 54% من القروض الصغرى، وأضاف، أن النساء قدمن الكثير وأنه لافرق له "بين المغطية رأسها والعريان".

 

خطوات قصر قرطاج تتسق مع مطالب المرأة التونسية التى اصطدمت على مدار السنوات السابقة ببعض رافضى "التجديد والحداثة"، حيث كان ائتلاف من جمعيات تونسية قد دعا مارس الماضى، إلى سحب إجراء يحظر زواج التونسيات المسلمات بغير المسلمين لأنه يتعارض مع حرية الضمير المنصوص عليها فى دستور الجمهورية الثانية لعام 2014، كما تقدم 27 نائبا فى 2016  بمبادرة تشريعية تتعلق بالإرث وتتضمن 3 بنود تقر المساواة فى الإرث بين المرأة والرجل، إلا أنها أجهضت من قبل نواب الكتلة الإسلامية.

 

وتأييدا لقرارات الرئيس، قالت رئيسة الاتحاد الوطنى للمرأة والمحامية راضية الجربى إن المساواة فى الإرث بين الرجل والمرأة قابلة للتنفيذ فى تونس طبقا للدستور والقانون الأساسى المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، واعتبرت فى حوار مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن تطبيق المساواة فى الإرث يعد اليوم "نتيجة منطقية" لتطور دور المرأة فى المجتمع واعترافا بحقوقها.

 

وأضافت " ينص الدستور التونسى اليوم فى فصله الـ(46) عل المساواة بين الرجل والمرأة فى كل المجالات كما يتعرض القانون الأساسى المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذى صادق عليه مجلس نواب الشعب يوم 26 جويلية المنقضى إلى العنف الاقتصادى. ومسألة حرمان المرأة من حقها فى الحصول على نصف تركة والديها مثل أخيها يعد نوعا من الاستغلال الاقتصادى الذى يستوجب العقاب".

 

ولاحظت فى هذا السياق أن العديد من النساء والفتيات يساهمن فى تنمية "الثروة العائلية" لكنهن يجدن أنفسهن فى المقابل محرومات من حقهن فى نصف الميراث، وترى رئيسة المنظمة النسوية أن المساواة الفعلية والكاملة بين الرجل والمرأة "ممكنة" غير أنها تبقى مرتهنة أساسا بتغيير العقليات وبمدى تطبيق القانون والإرادة السياسية.

 

واعتبرت أن تغيير العقليات عمل ميدانى طويل النفس، يتطلب حشد المجتمع المدنى وتغيير البرامج التربوية وتكوين الأئمة ومديرى المؤسسات والمسئولين بدور الشباب فضلا عن دعم التوعية بضرورة نشر ثقافة المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان القائمة على المساواة بين كل المواطنين دون تمييز.

 

وإذا كانت تلك القرارات الجريئة من قبل الرئيس التونسى تتسق مع مطالب المرأة التونسية والنخبة السياسية والليبرالية فأنها ستصطدم مع حركة النهضة الإسلامية – إخوان تونس – ، والتى رغم تبنيها خطابا منفتحا عن نظرائهم فى المنطقة العربية إلا أن مراقبون أكدوا على أن تمريرها الى أرض الواقع يتطلب موافقة حركة النهضة التى تسيطر كتلتها النيابية على أغلبية البرلمان التونسى.

 

وتوقع المراقبون أن يستغل الإسلاميين تلك الخطوات لتأجيج الشارع التونسى ضد الرئيس السبسى، خاصة أن حركة النهضة أعلنت سابقا رفضها لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة فى الإرث، وأكدت النائبة التونسية عن حركة النهضة الإسلامية محرزية العبيدى أن الحركة الإسلامية لن تصوت فى البرلمان مع هذا القانون وطالبت عوضا عنه بقانون يحسن وضع المرأة ويلزم بتنصيبها فى المراكز القيادية.

 

ولكن بالنظر إلى أن بوصلة الإسلاميين تجاه مثل تلك القضايا هى المغانم والخسائر السياسية التى يمكن أن يجنوها، فمن الممكن بالنظر إلى الأوضاع السياسية الراهنة وتحليلها نجد أن السبسى اختار موعد الإعلان عن تلك القرارات بعناية فائقة، حيث أن التنظيم الدولى للإخوان يعانى من انهيارات متتالية فى المنطقة العربية وحصارا دوليا بعد تبين علاقته الوثيقة بالإرهاب.

 

هذا الانهيار أثر على مكانة الحركة التونسية والتى تنتمى إلى التنظيم الدولى حتى أنه اضطرها مؤخرا إلى التبرؤ من الإسلام السياسى والإعلان أنها حركة وطنية لا تنتمى إلى أى تنظيمات دولية، كما أنها تستعد إلى مرحلة سياسية حاسمة على الصعيد الداخلى حيث ترغب فى تحقيق قاعدة سياسية كبرى من خلال السيطرة على الانتخابات المحلية التونسية التى ستجرى فى ديسمبر المقبل.

 

تلك المعطيات قد تدفع الحركة الإسلامية للدخول فى صفقة مع الليبراليين للتفاوض حول حزمة الإصلاحات لوضع المرأة، وأمام مصلحة إخوان تونس السياسية قد يتخلوا عن فكرة أن الإسلام دين الدولة والتشديد فى تطبيق عقيدتة وشريعتة، وهو ما بالفعل بدأت الحركة بالتمهيد له من خلال موافقتها منذ أسبوع على قانون يجرم العنف ضد المرأة بعد أن كانت ترفضه منذ أشهر قليلة.

 

ولم تمضى سوى ساعات قليلة على خطاب الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى، الذى دعا فيه إلى المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث، حتى بدأت حملة للهجوم عليه، حيث أعلن المكتب التنفيدى لحزب تيار المحبة إطلاق عريضة شعبية على شبكة التواصل الاجتماعى ''فيس بوك'' تطالب مجلس نواب الشعب وتلزمه بسحب الثقة من الرئيس.

 

وتتضمن العريضة وفقا لبيان الحزب الدعوة لعزل السبسى بتهمة مخالفته الصريحة للفصل الأول من الدستور، داعيا التونسيين على جمع مليون توقيع على الأقل لهذه العريضة، واتهمه بـ"إثارة الفتنة وزرع الفوضى فى البلاد طمعا فى أصوات انتخابية لحزبه فى الانتخابات البلدية ولنجله فى الانتخابات الرئاسية المقبلة " وفق نص البيان.

 

ونشر رئيس تيار المحبة الهاشمى الحامدى تدوينة له على حسابه بـ"فيس بوك" يدعو فيها إلى سحب الثقة من رئيس الجمهورية بعد إعلانه عن تشكيل لجنة للنظر فى مسألة المساواة بين الجنسين بما فيها المساواة فى الإرث.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة