اليوم 14 أغسطس، تحل ذكرى فض أكبر معسكر إرهابى فى منطقة «رابعة العدوية» لتدريب وإعداد كوادر تكفيرية للقتل والتخريب والتدمير، شهدته مصر عبر تاريخها الطويل.
معسكر رابعة الإرهابى، لم يكن اعتصاما كما تدعى جماعة الإخوان الإرهابية ودراويشها، وإنما كان معسكرا لإعداد وتأهيل كوادر «إرهابية» ولعبت المنصة التى توسطت الميدان دورا بارزا فى غسل عقول المغيبين بمادة «الكذب الكاوية»، طوال47 يوما كاملا، مدة إقامة المعسكر الذى بدأ يوم 28 يونيو 2013، واستمر حتى 14 أغسطس 2013، وكان المشاركون فيه يتلقون تدريبات عالية فى فنون القتال، وتدمير العقول بالأفكار التكفيرية، والاستعداد لتأسيس كيان موازٍ للدولة، بنفس الصيغة، رئيس وبرلمان وإعلام وميليشيات مسلحة، تخوض حربا طويلة مع الدولة المصرية، لاستنزافها، وإسقاطها، ثم تأسيس وترسيخ حكمهم على أطلالها.
وصباح يوم 14 أغسطس 2013، قررت الدولة التدخل ووضع حد لهذا الاعتصام الذى ينال من هيبتها وكبريائها، ويهز عرش استقرارها وأمنها، ويشوه صورتها دوليا، وتحركت قوات الأمن، مصطحبة معها الإعلام، ونشطاء حقوقيين، وبمجرد وصول القوات لمقر الاعتصام واتخاذها التدابير والاستعدادات اللازمة للفض، طالبوا المعتصمين وعبر مكبرات الصوت، بإخلاء الميدان، ووفرت لهم ممرات آمنة، للعودة لمنازلهم بأمن وسلام.
ورغم أن قرار الدولة بالفض تأخر كثيرا، وساهم فى تفريخ عناصر إرهابية خطيرة، فإن هناك خطأ أكبر من خطأ تأخير قرار الفض، وهو السماح بإقامة ممرات آمنة لخروج الكوادر دون مساءلة، ودون الوضع فى الاعتبار أن من تبقى فى «المعسكر الإرهابى» حتى اللحظات الأخيرة، هم الذين تعرضوا لغسيل مخ بمادة الكذب الكاوية، فشوهت الأفكار والمعتقدات، وقتلت روح الانتماء، وأعلت من شأن الوفاء فقط للجماعة الإرهابية.
ونجحت الدولة فى فض معسكر رابعة المسلح، «أطول مركز تدريب على فنون القتال وتخريب العقول» شهدته مصر، وانبهرنا ببديهيات الفض، وهنا الانبهار بالبديهى خطيئة كبرى، لأن البديهى أن يتم فض الاعتصام، لكن السؤال المنطقى: ماذا بعد قرار الفض؟ وما خطط التعامل مع خريجى المعسكر فكريا وأمنيا؟
الحقيقة أن المؤسسات فاتها وسط تصاعد الأحداث الداخلية وصخب الإدانات الخارجية، حينذاك، الوقوف على مصير الذين خرجوا من الاعتصام فى ممرات آمنة بالمتابعة ورصد تحركاتهم على الأرض، وعدم تركهم فى المطلق يتحركون وينثرون سمومهم بين الناس بمنتهى الأريحية.
ونظرا لهذا الخطأ غير المقصود، فوجئنا ببعضهم يتوجه إلى سوريا والسودان وليبيا وتركيا وينضم لداعش وجبهة النصرة، وبعضهم ذهب إلى سيناء، والفريق الثالث عادوا لقراهم ينثرون أفكارهم المتطرفة فى عقول الأبرياء، وكانت النتيجة، تشكيل خلايا خطيرة تتمدد وتتوغل فى قرى الصعيد والوجه البحرى وسيناء، ويشكلون مع المجرمين جنائيا من البلطجية وقطاع الطرق وتجار السلاح، تشكيلا إجراميا خطيرا، أسفر عن ارتكاب معظم العمليات الإرهابية، وفى القلب منها عمليات تفجير كنائس البطرسية ومار جرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، وحادث قتل الأقباط فى أتوبيس بالقرب من دير «صموائيل» بالمنيا.
وبالفحص والتدقيق فى قائمة الخلية التى نفذت حوادث تفجير الكنائس تحديدا التى أعلنت الأجهزة الأمنية عن أسماء أعضائها تُفاجأ بأن منفذى تفجيرى كنيستى «المرقسية» بالإسكندرية، ومار جرجس بطنطا، بجانب 14 من أعضاء الخلية، من أبناء محافظة قنا، الذين شاركوا فى اعتصام رابعة العدوية.
وشكل عدد كبير من خريجى هذا المعسكر الإجرامى، خلايا إرهابية سكنت كهوف الجبال الوعرة، من جبل الحلال فى سيناء، إلى منطقة الجبل الغربى لمحافظات الصعيد ذات الطبيعة الوعرة، خاصة المنطقة التى تبدأ من الفيوم شمالا وحتى أسوان جنوبا، وتمتد إلى ليبيا غربا، وأصبحت هذه المنطقة مرتعا تتحرك فيها الجماعات الإرهابية بكل أريحية لتنفذ عملياتها فى الفيوم والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر، وقدرتهم على تأمين المدقات والطرق المؤدية لجنوب ليبيا، لتهريب كل شىء، إرهابيين وأسلحة ومخدرات وأعضاء بشرية، ومن ثم فإن الإجابة عن سؤال من أين للصعيد الحصول على الأسلحة المتطورة، تكون بالطبع من ليبيا والسودان عبر هذه المنطقة.
قرار فض المعسكر الإرهابى، والذى كان يمارس دوره الإجرامى تحت سمع وبصر الجميع، وبثه على الهواء مباشرة على قنوات الجزيرة، بجانب ملاحقة الإعلام الغربى لكل تفاصيل الاعتصام، لحظة بلحظة، إنما كان قرارا جوهريا رمم كبرياء وهيبة الدولة التى تسبب المعسكر الإرهابى فى تآكلها طوال فترة وجوده.
ولابد من لفت النظر إلى عدة أمور استتبعت فض معسكر رابعة العدوية الإرهابى، أبرزها، إعادة هيبة وكبرياء الدولة المصرية، وتحسين صورتها فى المجتمع الدولى، وإعلان وفاة الجماعة الإرهابية رسميا، ثم والأهم إقرار أمر واقع أن إرادة الدولة أعلى وأكبر من إرادة أى جماعة أو حزب أو نقابة، أو أى تشكيل رسمى أو غير رسمى، والدليل أن الدولة عندما قررت فض معسكر رابعة الإرهابى، وهو الأكبر من حيث عدد المشاركين وتسليحهم وتحصيناتهم، تمكنت من ذلك خلال دقائق وبسهولة ويسر.
إرادة الدولة فوق كل إرادات الجماعات والكيانات رسمية أو غير رسمية، ولا يمكن لجماعة إرهابية وإجرامية أن تكسر أنف هذه الإرادة، وستظل مصر وطنا كبيرا وعظيما إلى يوم القيامة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة