الصورة السيلفى التى التقطها اثنان من فريق الإسعاف وخلفهما حادث وضحايا قطارى الإسكندرية بعد الاصطدام، أثارت كثيرين، وفتحت الباب لتعليقات غاضبة، رأت أنها تكشف عن عدم إنسانية وإهمال.. كيف يتجاهل موظفو الإسعاف الضحايا ويتفرغون لالتقاط «السيلفى»؟.
بعد النشر أعلن رئيس مرفق الإسعاف نقل المسعفين إلى سيوة، وكأنه بهذا ينقل إهمالهما من الإسكندرية لمطروح، وليس هذا هو الموضوع.
«السيلفى» تعبير عن إهمال فى وقت الجد، وهو لا يختلف عن إهمال كثيرين أدى إلى تصادم القطارين، وأن يجد الواحد وقتا ليلتقط «سيلفى» لنفسه وخلفه عشرات القتلى والجرحى، هو أمر يحتاج تركيبة نفسية وعصبية فيها الكثير من البرود، لكنّ المسعفين ليسوا وحدهم، هناك عشرات حرصوا على التقاط الصور للحادث من أجل الاحتفاظ بها وعرضها، انتظارا لتفاعل و«لايك» وفرصة للظهور فى أى بؤرة اهتمام، وسط منافسة على اختطاف نجومية حتى ولو على سبيل «السيلفى» مع كارثة.
«سيلفى» حادث القطار تعبير عن حالة تتلبس كثيرين، بل إن فكرة التصوير من أجل الظهور والنشر ظهرت مع عدد من كبار وصغار ومتوسطى المسؤولين، وأعضاء مجلس النواب، وبعض هؤلاء ذهب إلى الكارثة ليتصور ويتأكد من نشر صوره ثم انصرف، لكن حسن حظهم أنهم ظهروا وعلى وجوههم علامات الحزن والتفاعل والتأثر، ثم انصرفوا، وبعض النواب لم يستغرق دقائق وغادر بسرعة بعد أن تأكد من التقاط صوره وهو «متعاطف مع الضحايا»، وأدلى بتصريح يعلن فيه فتح باب المناقشة على مصراعيه لاتخاذ موقف من الحادث وكل حادث.. النائب وغيره كانوا يريدون التصوير، لكنهم لم يقعوا فى خطأ المسعفين اللذين قادهما سوء الحظ لأن يتم تصويرهما وفضحهما.
«هوس السيلفى» إحدى علامات عصر التواصل، وما فعله المسعفون يفعله غيرهم، لكن أحدًا لا يلتقطه، ومن المفارقات أن «السيلفى» هدفه النشر على «فيس بوك»، وفضح المسعفين المخالفين، تم أيضًا بنفس الأدوات، وعلى صفحات التواصل.
وقد كتبت فى العام الماضى عن جراحين فى مستشفى عام للولادة، نشروا لأنفسهم «سيلفى» من غرفة العمليات مع المريضة، وهم يقومون بتوليدها، ولم يتخذ أحد موقفًا مع الطبيب والفريق المعاون، بالرغم من أن الطبيب اعتاد نشر صوره وهو يقوم بعمليات التوليد على صفحة يسوق بها لنفسه بـ«سيلفى» من الأمهات لحظات الولادة، ولم يتم حساب المذكور من رسميا ولا نقابيا. ولا تم نقله إلى سيوة ولا غيرها.
نحن أمام هوس عصر الاتصالات، هوس يصيب كثيرين يستعرضون صورهم فى مواقف وأوضاع، وفى كثير من الأحيان يمكن رؤية صور «سيلفى» مع حوادث، وهناك من هو مستعد لفقدان حياته من أجل «السيلفى»، وهناك عشرات القصص لناس وقعت من أبراج واتكهربت أو صدمها قطار من أجل «سيلفى».
وبعض من هاجموا المسعفين المخطئين يمارسون «السيلفى»، لكن لا أحد يلتقطهم، وفى كثير من الحوادث يكون المتفرجون والمتصورون أضعاف من يحاولون الإنقاذ، وما أسهل ادعاء الإنسانية افتراضيًا ممن لا يتورع عن ارتكاب «السيلفى» من أجل الشهرة، لو تأكد أنه سيمر من دون عقاب.
ومع إدانة مسعفى «السيلفى» هناك حاجة لعلاج مرضى هوس «السيلفى» مع المصائب.