أحمد إبراهيم الشريف

مسك التل.. سحر الموجى تعيد كتابة المصائر

الإثنين، 14 أغسطس 2017 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«كأن الزمن قد أصابته لوثة» سوف تظل كثيرا تتأمل هذه الجملة التى ستقرأها فى بدايات رواية مسك التل للروائية الدكتورة سحر الموجى، والصادرة حديثا عن دار الشروق، لكن بعد أن تستغرق فى القراءة أكثر ستكتشف مع «مريم» بطلة الرواية وهى طبيبة نفسية لا تمارس عملها وتسكن فى منطقة المنيل، أن كل شىء أصابته هذه اللوثة وليس الزمن وحده، وأن الإنسان هو المصاب الأول الذى يدفع الثمن دائمًا.
 
عليك أن تدرك منذ البداية أن رواية مسك التل ليست مجرد حكاية عن ثلاث نساء شخصياتهن مختلفة جئن من أزمنة متغيرة، والتقين لتكتمل الحكايات المبتورة، ولا هى مجرد إبهار بالكتابة عن بيت السيرنيت الغريب بشخصياته النسائية المتعددة اللواتى خرجن من كتبهن إلى عالم الحياة، ولا حتى كتابة واقعة تحت تأثير الافتتان بنجيب محفوظ وشخصياته وعالمه الروائى والمقارنة بين زمنه وزمننا، إنها رواية عن صناعة المصير، عن عودة الروح مرة أخرى لبطلات الروايات الأدبية اللواتى كن مجرد خربشات على ورق المبدعين، وكانت حياتهن وجهة نظر مؤلفين يفعلن بهن ما يشاء.
 
واحدة من الشخصيات المهمة فى رواية مسك التل هى كاترين إيرنشو بطلة رواية مرتفعات وزرينج لـ«إميلى برونتى»، وعن نفسى قديما لم أكن أحب كاترين، كنت أرى أنها دمرت كل شىء فى حياتها وحياة الآخرين، لكن سحر الموجى هنا منحتها فرصة جديدة لصناعة شىء مختلف، لقد أدركت كاترين أن الإنسان هو من يصنع شقاءه ويبنى راحته، ربما هذا ما أدركته أيضا مريم متأخرة بعد مرور السنوات الكئيبة على جسدها وروحها، بعد استسلامها التام خارج كل شىء، خارج الماضى وخارج الحاضر.
 
أما أمينة أحمد عبدالجواد، فهى الشخصية المفاجأة فى الرواية، فقد أرادت سحر الموجى أن تمنحها فرصة لتفسر لنا حياتها القديمة وصمتها وتحملها لكل المساوئ الذكورية التى مارسها عليها السيد أحمد عبدالجواد، لذا جاءت فى مسك التل محملة بالكثير من فلسفة الرضا والقضاء والقدر، ومنه نفهم أن أمينة لم تكن مقهورة كما كنا نظن، بل كانت ابنة فلسفة شعبية سائدة معتمدة على نقاء غريب لم تغيره الأحداث التى استجدت على الزمن.
 
الرواية إذن فى مجملها هى حكاية الموت والحياة، ولو شئنا الدقة هى حكايتنا قبل الموت، لماذا يطاردنا الإحباط التام فنستسلم له، ولماذا تضعنا الذكريات الأليمة فى ركن أسود من غرف الحياة ونسمح لها بأن تنهش أيامنا بطريقتها المتوحشة فى انتظار كلمة النهاية، هل نحن بحاجة إلى تجربة أخرى حتى ندرك أن تفكيرنا المستسلم خاطئ؟
 
الرواية ليست نسائية محضة، فالرجال هنا أيضا قادرون على صناعة الفعل الإيجابى والسلبى، رؤوف وناجى والأب، لكن يظل يوسف شخصية مرسومة بحبكة جيدة جدا موازيا لشخصية مريم ومعبرا عن الجيل الحالى غير الراغب فى الإبداع، لأن هناك شيئا مكسورا فى داخله.
 
تعجبنى كتابة سحر الموجى، ومنذ قرأت لها رواية «نون» من قبل وأنا أدرك أن إبداعها مختلف، وأنها تملك أسلوبها المشغول بالتفاصيل الإنسانية واللغة الجميلة غير المتكلفة، كما أنها تحب شخصياتها فتمنحهم نوعا من الانسيابية والتأثير والقدرة على توريط القارئ معهم فى كل شىء.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة