التحكم بمسيرة القضية الفلسطينية، بل ووأدها، فالحرب على العراق ستحول الأنظار لفترة طويلة إلى العراق، وسيستغل الكيان الصهيونى هذه الأحداث ليعمل ما يشاء فى ظل الانشغال الدولى بقضية العراق، وهذا هو ما جرى فى المفاوضات النهائية لحل الدولتين بين الفلسطينيين والصهاينة.. ومن ناحية أخرى سيكون فى مصير العراق تهديد غير مباشر للدول العربية الأخرى التى لن تقف مع أى حل أمريكى للقضية، والذى سيصب فى مصلحة الكيان الصهيونى، كذلك الحسم المحتوم للحرب العربية الصهيونية لصالح الكيان الصهيونى، ومن وراء ذلك إلحاق الهزيمة النهائية بالعرب، واستتباع الكيان الصهيونى ودمجه فى قوة السيطرة العالمية الأمريكية، والاعتماد عليه لضمان السلام والأمن.
وحسب المفهوم الأمريكى، وحسب المصالح الأمريكية فى المنطقة، ففى لهيب هذه الحرب تطمح أمريكا إلى خلق ظروف استثنائية إقليمية تسمح للكيان الصهيونى بتحطيم المقاومة الفلسطينية القائمة، وردع أى مقاومة عربية محتملة، خصوصًا أن الداعم لهذه المقاومة بشكل جدى كان العراق، بقيادة البعث، الذى لم يكن يبخل فى دعم المقاومة، سواء الدعم المادى أو المعنوى أو حتى الدعم السياسى، وكذلك تفكيك أوصال المجتمع الفلسطينى لدفعه إلى التسليم بالأمر الواقع، وتشجيع هجرة أبنائه إلى الخارج، وبالتالى فرض نموذج الدولة التى تريدها تل أبيب على ما تبقى من القوى الفلسطينية الحية.
هذه الظروف الإقليمية الجديدة نفسها هى التى تراهن عليها واشنطن من أجل فك وحدة العالم العربى والإسلامى نهائيًا، وضمان التفوق الإسرائيلى الساحق على جميع دول المنطقة منفردة ومجتمعة لعقود عدة آتية، وبالتالى تفريغ المنطقة بأكملها من القوة، وتحويل الدويلة الصهيونية إلى القوة الوحيدة الفاعلة فيها، وتمكينها من قطع الطريق على أى اعتراض على الوضع المنبثق من لهيب حرب احتلال العراق، وهو ما كشفه الباحث نبيل إبراهيم عن علاقات أمريكا والعرب وإسرائيل، حيث ترى الدراسة أن حماية الكيان الصهيونى، فالعراق كان بامتلاكه أسلحة متطورة وصواريخ بعيدة المدى قد صنع توازنًا استرتيجيًا مع دويلة الكيان الصهيونى، وهذا يؤدى إلى انهيار ما يعمل عليه الأمريكان، وأوروبا من ورائها، على أن يبقى هذا الكيان فى تفوق عسكرى وتقنى، وأن يظل دائمًا قادرًا على تهديد أى قطر عربى فى أى لحظة، ولذلك عمدت إلى تجريد العراق من أسلحته بكل السبل والوسائل، وداومت على حصاره، غير مهتمة بموت مليون ونصف المليون طفل عراقى، وقد ساعدها العرب على ذلك، وكانت أول ضربة للناحية العلمية فى العراق اغتيال علمائه وقتلهم وتشريدهم، فالأمريكان مدركون تمامًا أن هؤلاء العلماء قادرون على بناء العراق الحديث فى ظل أى نظام غير النظام الوطنى السابق، من ناحية أخرى هناك سبب آخر يدعو لاحتلال العراق، وهو الحلم الصهيونى بالثأر من بابل، وقتل نبوخذ نصر، الذى يعتقد الصهاينة أنه صدام حسين، والذى على حد قولهم أراد إحياء الدولة البابلية التى قضت على إسرائيل التوراتية التى كانت موجودة قبل أربعة آلاف سنة.
5 - حسم الصراع العربى الإسلامى الغربى، الذى غذّته عقود طويلة من الصراع ضد الاستعمار، وضد إرادة الغرب فى فرض وصايته ثم الوصاية الإسرائيلية على المنطقة، وتوفير شروط إعادة ترتيب علاقات القوة والسلطة فى المنطقة بأكملها، بما يمكنها من إخماد مقاومتها، وإجبارها على الاندراج تحت الوصاية الأمريكية الغربية. وهناك سبب آخر دفع أمريكا إلى احتلال العراق، وهو الفكر المسيحى المتصهين لدى إدارة بوش. وقد اعترف بوش بنفسه بهذا عندما قال فى زلة لسان انه يشن حربا صليبية. وفى قول اخر قال أن الله أمره بهذا الغزو. واضيف لكل هذا ما قالته سارة بالين المرشحة عن الحزب الجمهورى لمنصب نائب الرئيس والتى فاز فيها اوباما. لقد قالت فى أحد خطاباتها لتبرر غزو العراق،ان الله امرهم بغزو العراق. بالاضافة إلى زرع بذور الفرقة الدينية بين مكونات الشعب العراقى وهذا ما نراه فى الاعلام الأمريكى واعلام كل الجهات المساندة للاحتلال، حيث نرى الثقافة المذهبية الطائفية والمظلومية الدينية، وكذلك ثقافة الانتقام من احفاد يزيد ثأرا لمقتل الحسين، قد بدأت تنتشر بين اوساط المجتمع العراقى.
ولو تأملنا فى هذه الأهداف لوجدناها تصب فى مصلحة الكيان الصهيونى أولا.. ولو تأملنا من يدعم هذه الحرب لوجدناهم من كانوا سببا فى وجود الكيان الصهيونى.. وهذه الحرب إن نجحت فى تحقيق أهدافها - لا سمح الله- ستكون بداية الطريق للكيان الصهيونى لتحقيق أطماعه التوسعية أو ما يسمى بإسرائل الكبرى.
إن أهداف أمريكا عديدة ومتداخلة، فإذا تأخر تحقيق هدف كبير فهى تعوضه بمجموعة أهداف صغيرة، وإن التخلف فى العراق وفى شعبه هو من الأهداف الأساسية الذى تبنى عليه الأهداف الأخرى. فإذا وعى الشعب العراقى وارتقى حضاريا ومورست الديمقراطية الحقيقية وليست الديمقراطية المسلفنة المستوردة من أمريكا واستثمرالشعب العراقى خيراته بنفسه.. عندها لا يبقى لا احتلال ولا أى عدوان أمريكى يمكن أن يستمر بل عندها سيتحرر العراق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة