للسقوط السياسى دروب عدة، فقد يكون المسئول فاسداً ليعرف طريقه سريعا إلى الخروج دون رجعة، وربما يقوده بطء اتخاذ القرار أو سوء تلك القرارات إلى الهبوط المبكر من أعلى السلطة، إلا أن السقوط على الطريقة الفرنسية منذ سنوات لا يزال يحمل طابعاً خاصاً، فمن فضائح الرشاوى التى لاحقت الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزى فى الألفية الجديدة، مروراً بولعه بعارضة الأزياء كارلا برونى، التى أسكنها الإليزيه، وصولاً إلى الاخفاق الأمنى الذى عانته فرنسا فى ولاية الرئيس السابق فرنسوا هولاند ، دفع الفرنسيون الثمن غالياً بحصيلة ممتدة من القتلى والمصابين ضحايا العمليات الإرهابية بخلاف تدنى المستويات الاقتصادية والاجتماعية لغالبية المواطنين.
ومن شبهات الفساد إلى الإخفاق الأمنى ، طوى الفرنسيون صفحة الرئيس السابق، ليفتحوا صفحة جديدة مع الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون، ليرفعوا سقف آمالهم وثقتهم فيما يملك من إمكانيات وخبرات اكتسبها من عمله السابق وزيراً للاقتصاد، إلا أن ما قدمه الوافد الجديد للإليزيه على مدار الـ100 يوم الأولى فى السلطة والتى أتمها مؤخراً كان أقل تواضعاً مما توقع كثيرون.. فمن صدارة استطلاعات الرأى خلال جولة الاعادة بالانتخابات الرئاسية وصولاً لانتزاع فوز غال على غريمته اليمينية المتطرفة مارين لوبان ، بدأت أسهم ماكرون تتوالى فى الهبوط بعدما شهد الفرنسون اخفاقات أمنية جديدة بخلاف تراجع دور الحكومة فى ملفات الرعاية الاجتماعية وانشغال الدولة فى صدام مبكر بين المؤسسات.
ومع انتهاء الـ100 يوم الأولى، كشفت استطلاعات الرأى تراجع شعبية ماكرون بشكل لافت بـ36% مؤيدين فقط، بعد سلسلة من الأزمات التى ضربت نظامه الحاكم فى أيامه الأولى وفى مقدمتها استقالة الوزراء الثلاثة المنتمين إلى حزب "الجمهورية إلى الامام"، وهم وزير العدل فرانسوا بايرو، الذى كان الحليف الأساسى للرئيس ماكرون، ووزيرة الشئون الأوروبية ماريال دو سارنيه، ووزيرة الدفاع الفرنسية سيلفى جولار، على خلفية تحقيق فتحته النيابة العامة بحقهم بشأن وظائف وهمية.
وسقط ماكرون فى اختبارات العدالة الاجتماعية بعدما أرجاء ـ بخلاف تعهداته السابقة ـ إلغاء الضريبة التى كانت مفروضة على السكن، فضلاً عن رفع الدعم الذى كان يقدم للمناطق الفقيرة داخل فرنسا، ذلك بخلاف تغيير قانون العمل عبر اللجوء إلى مراسيم حكومية دون الرجوع إلى نقاش برلمانى أو حوار مع مختلف الطوائف المجتمعية.
وأمام هذا الإخفاق ، يستعد رئيس الحكومة الفرنسية ادوارد فيليب للإعلان عن ميزانية سنة 2018، التى تتضمن توفير 10 مليارات يورو، وهو ما بدأ عبر خفض مساعدات السكن، وهى قرارات قاسية أثارت انتقادات ولا تزال، وساهمت فى تدنى شعبية الرئيس الفرنسى ورئيس حكومته، والتى وصفها مراقبون ومحللون أنها ضغطت على الطبقة المتوسطة وستساهم فى زيادة معدلات الفقر فى البلاد.
ومن جانبه اتهم النائب الاشتراكى ورئيس جمعية اتحاد البلديات الفرنسية الصغيرة اوليفييه ديسبو الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون بالخيانة، وعبر فى حديث لقناة "فرانس انفو" الفرنسية عن صدمته من رؤية الحكومة وقد اقتطعت مبلغ 300 مليون يورو من موازنتها المخصصة لهذه البلديات.
وفى صدام هو الأبرز خلال الـ100 يوم الأولى ، نشبت أزمة بين الرئاسة الفرنسية والجيش بعدما قرر ماكرون خفض ميزانية وزارة الدفاع 850 مليون يورو رغم تحفظات المسئولين وكبار قادة المؤسسة العسكرية، الأمر الذى دفع رئيس الأركان الجنرال بيير دو فيلييه، إلى التقدم باستقالته، مؤكداً استحالة توفير الخطط اللازمة لحماية فرنسا من خطر الإرهاب المحتمل الذى يهدد الدول الأوروبية كافة فى ظل تلك الميزانية المخفضة.
تحذيرات الجنرال دو فيلييه لم تحتج الكثير من الوقت لإثبات دقتها ، فلم تسلم أيام ماكرون الأولى داخل القصر من الهجمات الإرهابية التى لاحقت الفرنسيين بين محاولة الطعن التى وقعت بمحيط متحف اللوفر وحوادث الدهس وآخرها منذ قليل، وغيرها من الأحداث الدامية التى ضربت فرنسا على مدار الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وقبل أيام ، أشعل ماكرون الكثير من الجدل بعدما قرر بشكل مفاجئ منح زوجته بريجيت ماكرون صلاحيات ومهام إدارية داخل الدولة ، بجانب منحها مخصصات مالية بالمخالفة للقانون وبالتعارض مع قرار البرلمان الفرنسى السابق بسن قانون جديد لمنع توظيف الأقارب فى مناصب رسمية وفرض عقوبات صارمة حال مخالفة ذلك.
وأثار قرار ماكرون فى هذا الشأن العديد من ردود الفعل والإدانات من قبل النخبة الفرنسية ورؤساء الأحزاب، حيث دشن سياسيون فرنسيون عريضة حملت توقيعات ما يزيد على 170 ألف لفرض الصلاحيات الممنوحة للسيدة الأولى فى الإليزية.
ويتضمن قرار ماكرون المثير للجدل تخصيص أموال من الدولة لمصاريف السيدة الأولى، التى تقيم فى قصر الإليزيه، بالأساس، للتحضير للاستقبالات وعلى وجه الخصوص وضع قائمة الولائم ومكان جلوس الضيوف.
ومن الإخفاقات الأمنية والفشل فى ملفات الداخل، أصيبت السياسة الخارجية الفرنسية بحالة من الجمود ، ظهر واضحاً فى عجزها عن احتواء الأزمة الليبية بعد عقد لقاء يجمع كل من رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، وقائد الجيش الليبى المشير خليفة حفتر من اجل المصالحة والتوافق على "خريطة طريق" للخروج من الأزمة الحادة في ليبيا، التي يرى الرئيس الفرنسي أن لها انعكاسات مباشرة ليس فقط على شمال أفريقيا واستقرار بلدان الساحل، بل أيضا على فرنسا وأوروبا، بسبب موضوعي الإرهاب والهجرات المكثفة المنطلقة من الشواطئ الليبية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة