نحن نعرف مشكلاتنا ونشخصها، ويمكن لأى واحد وهو جالس القرفصاء، أن يكتب «بوستا» يحدد فيه الداء والدواء، إذا كان الأمر بهذه البساطة، فلماذا نظل ندور حول أنفسنا، ونكرر الكلام وكأننا نكتشفها للمرة الأولى.
يكفى أن نتأمل حديث خبير نقل ومواصلات خارج منصبه حول مشكلات السكة الحديد، وكيفية حلها ونفس الشخص بعد أن يصبح وزيرا أو رئيسا للسكة الحديد، يحدث تغيير كأن الأشخاص يتحولون.
«مفيش حد كينج كونج .. نعمل بأدوات عفى عليها الزمن لم توجد صيانة منذ الستينيات، والتطوير الشامل يحتاج 100 مليار جنيه، وفى حالة تلبية كل المطالب يمكن ألا يتكرر حادث الإسكندرية».. كانت هذه كلمات وزير النقل المهندس هشام عرفات، يعترف بالمشكلات، وخطورة الاعتماد على العنصر البشرى، وأننا متأخرون 30 سنة عن العالم، ويقصد بأنه لايوجد كينج كونج أن أحدا لايملك القوة الخارقة. لكن أيضا يحتاج المواطن أن يكون كينج كونج ليركب القطارات بوضعها الحالى.
رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب اللواء سعيد طعيمة، قال إن الهيئة لو كانت أخذت بتوصيات اللجنة خلال العام الماضى ما كانش الحادث ده حصل، ثم يرى أن انتظار توفير 100 مليار يعنى «نقعد فى بيوتنا».
كلمات رؤساء لجان النقل السابقين، تتضمن غضبا ومطالب بالتغيير، وتأكيد أنه لا تستر ودعوة لمحاسبة المسؤول، والتأكيد على أن هناك إهمالا وأعدادا كبيرة من العاملين والمسؤولين لا يقومون بدورهم.
هناك لجنة برلمانية شهيرة انعقدت فى مجلس الشعب برئاسة المهندس حمدى الطحان بعد تكرار حوادث القطارات فى الصعيد والعياط وقليوب وغيرها، استمرت اللجنة فى عملها لشهور، واستعانت بخبراء فى النقل والقطارات وأساتذة الهندسة، وأصدرت تقريرا ضخما يحتوى على كل التشخيص والتوصيات، هذا التقرير نام مثل غيره فى الأدراج ومعه تقارير لجان سابقة.
فى عهد تولى المهندس محمد منصور وزارة النقل، كان هناك مشروع لبحث مشكلات السكة الحديد، بالتعاون مع جهات استشارية داخلية وخارجية، وتم تقديم تقارير عن مشكلات الورش وأراضى السكة الحديد المتعدى عليها، لكن كل هذه الجهود توقفت تقريبا، بعد استقالة المهندس محمد منصور فى أكتوبر 2009، عقب حادث تصادم قطارى العياط.
فيما يتعلق بالتمويل لتطوير السكك الحديدية، كانت هناك أرقام بين 10 إلى 30 مليار جنيه، تم بالفعل ضخ مليارات فى أوقات مختلفة، 3 مليارات، ثم 8 مليارات، ولا أحد يعرف أين توجهت هذه الأموال، ما هو مصير الجرارات التى تم شراؤها قبل 8 سنوات، مع الأخذ فى الاعتبار أن كل وزير يعمل بمعزل عن سابقيه، بما يجعل المليارات كأنها ألقيت على الأرض.
خلال الفترة من عام 2000 إلى الآن، يمكن أن نجد فى الأدراج عشرات الدراسات وتقارير تقصى الحقائق، و«كينج كونج» الذى نريده إما أنه من يركب القطار، أو مسؤول يجمع فريقا يراجع التقارير والتوصيات السابقة، ويتابع بشكل دائم وليس موسميا، حتى لا نظل ندور حول أنفسنا ونرمى أموالنا على الأرض.