كان الكتاب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل شغوفا بمهنته وسؤاله المعتاد: إيه الأخبار؟»، وظل الأستاذ عبدالله السناوى من أهم الصحفيين الذين اقتربوا من «هيكل» طوال 16 عاما كانت حصيلتها بالنسبة لـ«السناوى» أستاذا لا يبارى وأبا لا يعوض، حسبما قال فى إهداء كتابه «أحاديث برقاش - هيكل بلا حواجز» الصادر عن دار الشروق مؤخرا.
شغف المهنة التى اشتهر بها هيكل وجعلته على القمة حتى وفاته، يحاول «السناوى» أن يفك أسرارها فى كتابه المهم، ولا يلجأ فى ذلك إلى تقديم سردية تاريخية متتالية تقليدية عن هيكل منذ مولده وحتى وفاته، فمهمة مثل هذه تتوافر موادها فى الأرشيف لمن يحب، وإنما هو يضعنا فى قلب أحوال اقترابه من الأستاذ، ولأنه اقتراب، فمن الطبيعى أن يكون فيه الكثير من الأسرار التى تعطى للكتابة نكهتها الخاصة، ولأنه هيكل فإن هذه الأسرار ليست من نوع ماذا كان يأكل؟ وكيف كان ينام؟ وإنما ستجد صداها فى التعريفات التى يذكرها السناوى من مصادرها عنه وهى:
«أسطورة حية» كما وصفته «سارميللا بوز» مديرة كلية الصحافة فى جامعة «أكسفورد» البريطانية، عندما ألقى من فوق منصتها أول محاضرة تذكارية، و«رئيس تحرير أسطورى» على ما قالت صحف ودراسات إسرائيلية، رغم ما نسبته إليه من تحريض على الدولة العبرية وإلهام الرأى العام العربى فكرة المقاومة.
و«صانع سياسات على عهدى» جمال عبدالناصر وأنور السادات حتى عام 1974 عندما افترقت الطرق، ومؤرخ للصراع على المنطقة من الداخل، وذلك لم يكن متاحا للمؤرخين، ومفكر أمن قومى لا يضارعه أى أحد آخر فى عمق تأثيره على أجيال متعاقبة من العسكريين والدبلوماسيين.
هذه التعريفات تعكس أدوار الرجل الذى «عرف كيف يحافظ على القمة منذ صعد إليها شتاء «1953»، مهما اختلفت العصور وتناقضت السياسات، ويطرح السناوى السؤال الذى ظل مطروحا فى حياة هيكل: كيف تسنى له ذلك؟.. ولماذا لم يستطع أحد رغم معارضاته لـ«السادات ومبارك» من بعده كسر قلمه وإلغاء تأثيره؟.. ويجيب: الصحفى أبقى من السياسى، والكلمة أقوى من السلطة، هكذا اعتقد دوما، رغم تعدد أدواره فهو لم يكن يعرف نفسه إلا بـ«الجورنالجى»، فهو صحفى أولا وأخيرا، كان شغوفا بمهنته وسؤاله المعتاد: «إيه الأخبار؟.. تحت كل الظروف حتى النفس الخير أراد أن يحاور ويسأل ويستقصى ويبحث فيما قد تئول إليه الحوادث فى المستقبل، كان رجلا مستقيما لا يشغله الماضى إلا بقدر التعلم منه، وعدم تكرار أى أخطاء حدثت، سره فى إخلاصه لمهنته، حتى وهو ينازع الروح.
هكذا يذكر «السناوى» إجمالا فى مقدمته للكتاب أسباب بقاء «هيكل» على القمة، ثم يلجأ إلى تفكيك هذا «الإجمال» فى 16 حديثا جاءوا فى 328 صفحة، وهى «وديعة هيكل»، نظرة أخيرة على برقاش، «الجانب الآخر من الحياة»، «نقش على حجر»، «الخرائط تتكلم والصور تحكى»، «للوثائق كلمة أخيرة»، «أسطورة حية فى أكسفورد»، «رسائل الأرض المقدسة» «الروح الشريرة فى الأهرام، منظور إسرائيلى»، «تراجيديا الرجال فى أكتوبر»، «كيسنجر والخروج»، زيارة إلى باب العزيزية، انتحار المعنى فى العالم العربى»، «التجربة التليفزيونية: معارك وأسرار»، «مهرجان الغروب، لماذا لا تكتمل فى مصر ثورة؟» آخر اليوم الطويل.
هذه «العناوين/ الأحاديث» يكتبها السناوى بسردية حكاء، فيجذبك بجمعه لميزتين، ميزة «الحكاء» حين يتكلم، وميزة «الحكاء» لو كتب بفن الحكى ومتعته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة