الحد الأدنى للأجور فى شركة غزل المحلة 1350 جنيها للعامل
تتجاوز أجور بعض العمال 8000 جنيه شهريا.. والمتوسط السنوى 50 ألفا
يبلغ عدد عمال غزل المحلة 17 ألف عامل بإجمالى أجور سنوية 773 مليون جنيه
خسائر الشركة فى العام المالى الأخير 568 مليون جنيه.. و2.3 مليار فى آخر 3 سنوات
تراوحت نسبة الزيادة التى حصل عليها عمال غزل المحلة فى يوليو بين 135 و800 جنيه
يحصل كل عامل من عمال غزل المحلة على أجر 6 شهور ونصف أرباحا سنوية
إيقاف ماكينات الإنتاج فى الورديات الثلاثة، وتعطيل شبكات الكهرباء وكل لوحات ومصادر الطاقة، وأخيرا الخروج من عنابر الإنتاج، ومن مقرات الشركة بشكل كامل، والتحرك فى شوارع المدينة وصولا إلى ميدان "طلعت حرب" بقلب المدينة، لم يكن هذا السيناريو خطة مكتوبة فى أحد منشورات الجماعات السياسية أو الإرهابية الساعية لإشاعة حالة من التوتر وسط أجواء اجتماعية واقتصادية ضاغطة، ولم يكن مخططا يتداوله النشطاء فى دوائرهم المغلقة ضمن اقتراحاتهم لتقويض الدولة ونظامها، وإنما هذا ما وقع بالفعل، وكان عنوانا لمدينة المحلة الكبرى خلال الأيام الماضية.
اليوم يدخل عمال شركة مصر للغزل والنسيج "غزل المحلة"، إحدى شركات قطاع الأعمال العام، عاشر أيام اعتصامهم وإضرابهم عن العمل، وتعطيلهم لكل مصانع الشركة وعنابرها وخطوط إنتاجها، على خلفية مطالب فئوية رفعوها، مدعين أن الحكومة ووزارة قطاع الأعمال والشركة القابضة للغزل والنسيج، كلها تتجاهل مطالبهم التى يرون أنها عادلة ومعتدلة، هكذا بإرادة فردية ومن طرف واحد، ليشتعل التحرك الغوغائى الضخم، الذى تلقفه سياسيون محسوبون على اليسار واليمين، ومتاجرون بشعارات العمال وحقوق الطبقة العاملة، وكأنه شرارة ثورة اجتماعية جديدة، بينما لم يقترب أحد من الملف فى جوهره، على خلفية ظاهر الصورة وحقيقتها، بين أوضاع اجتماعية واقتصادية ضاغطة ومنعطف استثنائى تعبره البلاد، وخطة إصلاح اقتصادى وهيكلة لمنظومة الموازنة والإيرادات والمصروفات من جانب، وشركة قطاع عام متخمة بالعمالة الزائدة من ميراث حقبة "الشعارات الاشتراكية"، وغارقة فى مستنقع لا حدود له من الخسائر، ويطالب عمالها بالحصول على حوافز وامتيازات جديدة تحت مسمى "أرباح"، وتلك هى المفارقة.
حقيقة صراع "غزل المحلة".. الشركة والعمال فى أرقام
الصورة التى يروجها عمال غزل المحلة، ومن تلقفوا تحركاتهم لتوظيفها سياسيا، أننا أمام حالة من التعنت واغتصاب الحقوق، تنفذها إدارة الشركة مدعومة بالشركة القابضة ووزارة قطاع الأعمال ومجلس الوزراء، وربما قادة المجموعة الشمسية ومجرة درب التبانة، بينما يُفترض فى أى تصور منطقى أن يبدأ الأمر من الأوضاع القائمة والأرقام المتحققة والمستهدفة، باعتبارنا بصدد أزمة تخص شركة، والشركات بطبعها مؤسسات اقتصادية هادفة للربح، ومن حق العامل الحصول على نسبة من الأرباح، ولكن عليه أن يحقق أرباحا فى البداية.
فيما يخص شركة غزل المحلة وأوضاع عمالها الذين يقترب عددهم من 17 ألفا، نسبة كبيرة منهم يمكن عدّها على تصنيف "العمالة الزائدة"، ولكن رغم هذه التخمة الوظيفية فإن أرقام الشركة وأوراقها تؤكد أن الحد الأدنى للدخل، بمعنى أقل راتب يتقاضاه أحدث عامل ملتحق بالشركة، يبلغ 1300 جنيه شهريا، بينما الحد الأدنى للأجور الذى أقرته الحكومة ومنظومة القوانين المصرية 1200 جنيه.
إذا كانت الصورة على هذا المنوال فيما يخص مستويات الأجور، فماذا عن الزيادات الأخيرة؟ بينما يطالب عمال الشركة بزيادة أجورهم والحصول على حوافز وأرباح عن عمل لا يحقق أرباحا أصلا، تؤكد الملفات أن أقل نسبة زيادة فى راتب يوليو الماضى قياسا على يونيو، بلغت 135 جنيه، وكان الحد الأعلى للزيادة 800 جنيه، وإذا نظرنا إلى أن العلاوة التى أقرها قانون الخدمة المدنية، أو العلاوة التى خُصّصت لغير المخاطبين بالقانون، كانت بنسبة 10% من الأجر الأساسى، فإن الأجور الأساسية لعمال غزل المحلة، بعيدا عن الحوافز والأجر الإضافى وبدل التغذية وبدل الانتقال وغيرها، يتراوح بين 1350 و8000 جنيه، وهو متوسط أجور أعلى من المتوسط العام الشائع فى الجهاز الإدارى للدولة الذى يضم أكثر من 6 ملايين موظف، أى أن عمال غزل المحلة الذين يتخمون الشركة بآلاف زائدة عن حاجة العمل، ولا ينتجون بما يتناسب مع عددهم، ولا يحققون أرباحا، بل لا يقللون نزيف الخسائر المتواصل أو على الأقل يحافظون عليه فى مستوى ثابت، يتقاضون رواتب أعلى من المدرسين وموظفى المحليات والصحة والتضامن الاجتماعى والتعليم والتعليم العالى، بل ومن رواتب الهيكل الإدارى والتنفيذى لجهاز الشرطة والقوات المسلحة.
العمالة الزائدة تقتل "غزل المحلة".. والمغرضون يتاجرون بدمها
الأزمة الكبرى التى تواجهها شركة مصر للغزل والنسيج "غزل المحلة" تتصل بالعمالة الزائدة، فالشركة تضم 17 ألف عامل تقريبا، أو لو شئنا الدقة باعتبارنا فى مقام الأرقام، فعدد عمالتها 17 ألفا و815 عاملا، يحصل كل واحد فيهم على 45 ألفا و982 جنيه سنويا كمتوسط رواتب، ما يعنى أن هذا الرقم يرتفع مع بعض العمال ذوى الأقدمية الطويلة ليتجاوز 100 ألف جنيه سنويا، إضافة إلى 6 شهور ونصف الشهر أرباحا سنوية لكل عامل بالشركة، بإجمالى أجور ومزايا سنوية للعمال يتجاوز 773 مليون جنيه.
هذه الغابة من الأرقام المستنزفة تحت ضغط العمالة الزائدة، لم تشفع للشركة لدى عمالها، كى يزيدوا من طاقة العمل والتشغيل سعيا إلى تسديد الديون المتراكمة والمتصاعدة، التى بلغت 568 مليون جنيه فى العام المالى الأخير وحده، بإجمالى 2.3 مليار جنيه فى السنوات الثلاثة الأخيرة، والتحول بها من مستنقع الخسارة إلى شاطئ المكسب، كى يفخروا بكونهم سواعد منتجة وناجحة أولا، ويفوزوا ثانيا بحصة من هذه الأرباح، بدلا عن فكرة العمل، وبتجاهل تام لنزيف الخسائر، رفع عمال غزل المحلة مطلبا فئويا ضيقا وغريبا، بالحصول على 10% أرباحا، وهم يعلمون قبل غيرهم أن شركتهم لا تحقق أى أرباح.
تحرك عمال غزل المحلة غير المنسجم مع حالة الشركة، كان طبيعيا أن يراه البعض وقودا للمكايدة السياسية، إذ سرعان ما تلقفته دوائر من النشطاء والسياسيين والعاملين فى حقل الإعلام، من المحسوبين على بعض تيارات اليسار، وعلى جماعة الإخوان ودوائر اليمين الدينى، وبعضهم ممن يعمل لصالح مؤسسات إعلامية دولية ممولة من قطر وبعض أجهزة المخابرات الدولية، وبعض آخر يتلقى تمويلات من بعض المنظمات الحقوقية الدولية المعروفة بتوجهاتها الداعمة لليمين الدينى والساعية لتقويض الدولة المصرية، وإذا كان أبناء الشركة لم يلتفتوا لصالحها، وطالبوا بأرباح بينما تنزف الشركة دما وخسائر يومية، فليس من الغريب أن يقفز المموَّلون والمشبوهون ووكلاء الإخوان والأجهزة الاستخباراتية والحقوقية الملوثة، راكبين مركب غزل المحلة ومتاجرين بها هم أيضا، للنيل من الحكومة والإدارة المصرية والمنظومة الاقتصادية والأمنية فى البلاد، التى بدأت تتعافى مؤخرا، وربما يشكل هذا التعافى أمرا مزعجا لأطراف عديدة، لن تتوانى عن توظيف أى شىء وكل شخص من أجل دفع مصر خطوات للوراء.
من يقف وراء إشعال الأوضاع فى "غزل المحلة"؟
بينما طالبت الحكومة بوزاراتها وأجهزتها، وفى مقدمتها الشركة القابضة للغزل والنسيج، ووزارتا القوى العاملة وقطاع الأعمال العام، عمال غزل المحلة بعرض مطالبهم ومناقشتها، والمشاركة فى جلسات حوار مع المسؤولين، بل وعرضت عليهم حلولا وأفكارا لتجاوز الوضع الراهن، بما يحقق لهم مزيدا من الفوائد ولا يضغط على الشركة ويزيد نزيفها أكثر مما هو عليه، لم يقدم 17 ألف عامل من عمال الشركة أى استجابة مقنعة لهذه المبادرة.
واصل العمال اعتصامهم فى عنابرهم لمدة 9 أيام، عطلوا خلالها العمل تماما، أغلقوا الماكينات وأبواب العنابر، وفصلوا التيار الكهربائى ولوحات الطاقة وكل مصادرها، وبشكل مفاجئ قرروا أمس الخروج للشوارع لإشاعة حالة الفوضى والتوتر التى تعبئ أجواء الشركة منذ أكثر من أسبوع، ومحاولة تصديرها للشارع، وطوال هذه المدة لم تتوقف الحكومة عن التواصل وعرض الاقتراحات والحلول.
عن هذه الحالة من التعنت، قالت وزارة القوى العاملة إن الأزمة مستمرة وتتجه نحو التفاقم، وإن عمال مصانع غزل المحلة رفضوا كل الحلول التى طُرحت عليهم لإنهاء الإضراب، بحسب ما أكده خالد أبو بكر، وكيل وزارة القوى العاملة بمحافظة الغربية، فى تصريحات صحفية حول الأمر.
وأكد "أبو بكر" فى تصريحاته، وجود عناصر مخربة فى صفوف العمال، تسعى لهدم الشركة وتخريب الصناعة المصرية، وإثارة الفتنة بين العمال والحكومة من ناحية، والعمال وإدارة الشركة من ناحية أخرى؛ خاصة بعد محاولات التصعيد الأخيرة ودفع العمال للخروج للشارع وإشاعة حالة من الفوضى فى مدينة المحلة.
مصنع غزل المحلة (3)
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة