نواصل اليوم نشر أجزاء من التقرير الأمنى السنوى لمجلس الأمن القومى الأمريكى، الذى تضمنه البحث الذى كتبه الباحث نبيل إبراهيم، حيث استخدم الباحث أجزاء من «التقرير الأمنى السنوى لمجلس الأمن القومى الأمريكى»، وكشف فيه المؤلف عن علاقات أمريكا والعرب وإسرائيل، وكيف تدار المصالح الأمريكية، مستندًا إلى هذا التقرير السرى الذى جاء فيه: «مر العراق العائم على بحيرة نفطية بتاريخ من الاستعمار لنهب ثرواته، وتعاقبت على احتلاله الإمبراطوريات الأمبريالية، وذلك بسبب الموقع الجغرافى للعراق وأهمية كبرى، حيث يقع على رأس الخليج العربى، والذى يكوّن مع بقية دول الخليج أكبر مخزن للطاقة فى العالم أجمع، كما يمثل العراق حلقة الاتصال بين أوروبا ومنطقة المحيط الهندى، التى كانت واقعة تحت سيطرة الإمبراطورية البريطانية، ولذلك وجدنا إمبرياليى الدول الأوروبية بشكل عام، وبريطانيا بشكل خاص، يسعون بكل طاقتهم إلى مد سيطرتهم على العراق منذ أوائل القرن الماضى، وكان التنافس على أشده بين بريطانيا وألمانيا، فقد سعت الأخيرة إلى ربط العراق ومنطقة الخليج بخط قطار الشرق السريع، فى محاولة لتمهيد الطريق إلى مد سيطرتها على أكبر مستودع للنفط فى العالم، لكن جهودها لم تتحقق بعد أن خسرت الحرب العالمية الأولى، وتقدمت الجيوش البريطانية إلى هذه المنطقة، وبسطت سيطرتها الكاملة عليها، وهكذا وقع العراق تحت نير الاحتلال البريطانى فى أواخر العام الأول، وبداية العام الثانى للحرب العالمية الأولى التى اندلعت عام 1914. ورغم رفض الشعب العراقى لقوات الاحتلال البريطانية، واندلاع ثورة العشرين، واضطرار بريطانيا إلى تأسيس ما سمى بالحكم الوطنى، والإتيان بالأمير فيصل بن الحسين ملكًا على العراق، إلا أن سيطرة بريطانيا على مقدرات العراق عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا استمرت عبر أشكال جديدة أخرى، فقد اكتفت بريطانيا بقاعدتى الحبانية الواقعة شمالى بغداد، والشعيبة الواقعة قرب البصرة، إضافة إلى قاعدة الرشيد فى بغداد، محتفظة بقوات جوية وبرية فيها، فيما شددت قبضتها على مقدرات العراق عبر المستشارين العسكريين، والسياسيين، والاقتصاديين، والثقافيين، وكان هؤلاء المستشارون هم الحكام الحقيقيين للبلاد، ثم بدأ التنافس الأمريكى البريطانى على منطقة الخليج فى واقع الأمر منذ عام 1920، ثم نظرت أمريكا إلى العراق ونفطه وطلبت من بريطانيا فى مؤتمر سان ريمو بضرورة مشاركتها بنفط الخليج، لكن بريطانيا رفضت ذلك رفضًا قاطعًا فى ذلك الوقت، مما حدا بالرئيس الأمريكى ودرو ولسن إلى إرسال رسالة إلى الحكومة البريطانية يقول فيها «إنكم تريدون ممارسة نوع من الاستعمار، أصبح موضة قديمة»، وبالفعل تحركت المخططات الأمريكية للسيطرة على منابع النفط العراقى، فالعراق يحتل المركز الثانى من حيث الاحتياطى العالمى بعد السعودية، والعراق المخزون الحقيقى به أعلى بكثير من الأرقام المتداولة، مع جودته العالية، واحتمالات الاكتشافات الجديدة هائلة، مع قلة التكلفة الإنتاجية، والتوقعات ترشحه كآخر نفط ينضب فى العالم.
والمحصلة النهائية تؤكد أن السيطرة على العراق تعنى التحكم فيما يقارب نحو ربع إجمالى احتياطى النفط العالمى، ثم إن العراق بموقعه الاستراتيجى يجعل من يسيطر عليه يكون على مرمى حجر من ثلثى الاحتياطى العالمى للنفط، الذى يتركز فى الخليج العربى، ولعل ذلك يضمن للولايات المتحدة تحقيق أكثر من هدف جزئى فى سياق هدفها الأساسى، فإن..
- السيطرة على نفط العراق تقلل من اعتماد واشنطن على النفط السعودى.
- السيطرة على ثروة نفطية بهذا الكم تساعد على التحكم فى أسعار النفط، ومن ثم الحد من تأثير أوبك، وربما فى النهاية تنجح فى تحطيمها، أو على الأقل تهميشها كمرحلة أولى.
- السيطرة بقوة على المصالح الاقتصادية للقوى الطامحة فى لعب دور فى النظام الدولى، عبر التحكم فى إمداداتها من النفط الخليجى.
هذا بالإضافة إلى أن اللوبى النفطى الذى يسيطر على الإدارة فى الولايات المتحدة الأمريكية يخطط للسيطرة على نفط العراق لصالح الشركات الأمريكية، وهو ما أكده الواقع، فمع دخول الغزاة بغداد كانت وزارة النفط الوزارة الوحيدة التى قامت بحمايتها قوات الاحتلال الأمريكى، وكان تشينى، نائب الرئيس الأمريكى، قد نقل عنه قوله «إن الرئيس العراقى صدام حسين يجلس على 10 فى المائة من احتياطى البترول فى العالم، ولديه ثروة هائلة ولايمكننا أن نتركه يعمل على هواه».
ذكر تقرير فى صحيفة «نيوزداى» أن فصيلًا فى البيت الأبيض دفع بأنه إذا ما تولت حكومة عسكرية أمريكية مؤقتة مقاليد الأمور فى العراق، فإن عليها أن تعمل أولًا على تأمين منشآت النفط العراقية، وأن تستولى على البترول وصفه «غنيمة حرب».
فالعراق يمتلك 115 مليار برميل من احتياطى النفط، ثانى أكبر احتياطى عالمى، ويؤكد الخبراء أن يكون المخزون الحقيقى للنفط فى العراق أكبر من ذلك بمراحل عديدة، إذ إن الإمكانات النفطية الحقيقية فى البلاد لم تكتشف، بعد بسبب دخول العراق فى حروب متصلة «إيران والكويت»، وعقوبات اقتصادية لسنوات عديدة، فمنطقة الصحراء الغربية للعراق المحاذية للمملكة العربية السعودية والأردن مازالت أرضًا بكرًا من كل تنقيب عن النفط فيها. وحسب تقديرات المعهد الفرنسى للنفط، فإن الأحواض الرسوبية لهذا الشريط يمكن أن تحتوى لوحدها على 200 مليار برميل من النفط الخام، فقد قال وزير النفط السابق عامر الرشيد إن من أصل 73 حقلًا تم اكتشافها حتى الآن، فإن 24 حقلًا فقط هى التى تنتج فعلًا، وعمومًا فإن حوالى 2000 بئر فقط هى التى تم حفرها فى العراق، أما العدد المنتج منها حاليًا فهو فى حدود 1500 إلى 1700 بئر، هذا مقارنة مع حوالى مليون بئر فى تكساس مثلًا.. ونواصل نشر بقية التقرير الذى كشف أسرارًا جديدة فى الأمن القومى الأمريكى.