تصور الغرب أن بمقدورهم أن يصرفوا العفريت الذى يحضرونه، فأثبتت الأحداث خطأ ذلك، وابتكرت «الذئاب المنفردة» طرقا مستحدثة للجرائم الإرهابية، دون قنابل أو متفجرات أو عبوات ناسفة، أو أسلحة يسهل اكتشافها وضبطها، واستخدموا السيارات فى حوادث الدهس، وآخرها برشلونة التى أودت بحياة عدد كبير من الضحايا.
أوروبا كانت حليفا سريا للجماعات الإرهابية، استضافت كوادرهم، ومنحتهم الإقامة والحماية والدعم المادى واللوجستى، وامتنعت عن تسليمهم لدولتهم لمحاكمتهم إزاء الجرائم التى ارتكبوها، وصنعت لهم سياجاً يتحركون خلاله، فى مقابل أن يكونوا سلاحاً للضغط على بلادهم.. أى استخدمتهم كعملاء فى أسواء أنواع الخيانة والتآمر على مواطنهم الأصلية.
لم تدرك الدول الأوربية الحقيقية التى تقول: «من يخون وطنه الأصلى، لا يتورع أن يخون الآخريين».. وحدث ذلك بالفعل.. من احتضنتهم بريطانيا انقلبوا عليها، وكانت حكوماتها المتعاقبة تتصور أنها قادرة على إدارة الإحداث والصراعات فى الشرق الأوسط، بالجماعات الإرهابية، لتكون بديلاً عن الجيوش والأساطيل والطائرات والغزو المباشر، ولماذا نقتلهم طالما يقتلون أنفسهم؟.
لم تتخيل بريطانيا مثلا أن كوادر الجماعات الإرهابية الذين احتضنتهم، يمكن أن يطلقوا «ماراثون» الذئاب المنفردة فى أوروبا كلها، ويبتكرون وسائل غير متوقعة، فتحولت السيارات العادية، إلى أداه لدهس، تفوق أعداد ضحاياها القنابل والمتفجرات، ولا يمكن كشفها بأحدث الأجهزة والوسائل التكنولوجية، لأنها سيارات عادية تسير فى الشوارع وفجأة تتحول إلى الدهس العنيف.
أوروبا تقع فى نفس الخطأ الذى وقعت فيه أمريكا قبل أحداث سبتمبر 2001، وكاد ينهى الدولة العظمى فى العالم، دون قنابل ذرية أو صواريخ بالستية، ولم تنفعها منظومة حرب النجوم، ولا شبكات الصواريخ المضادة للصواريخ، ولا تكنولوجيا التسليح الهائل التى دكت حصون الاتحاد السوفيتى دون حرب.
لم تفهم الدول الأوربية دروس 11 سبتمبر 2001 حتى الآن، وأهمها: أن الذئب الذى تربيه وتصنع منه صديقاً، سينقلب عليك أولا فالذئاب التى تولت تربيتها فى أفغانستان، ظهرت فى شوارع نيويورك.. وأن البروج المشيدة والأسلحة الهائلة لا تحمى من النبال الصغيرة.. وأن الرصاصة التى تصوبها على صدور الأبرياء قد ترقد إلى صدرك.
لم تفهم الدول الأوربية أن أسلحتها الهائلة، لن تحميها من نار الانتقام، فالطائرات المدنية تحولت إلى صاروخ قام بتدمير برجى التجارة، فى تطور هائل لابتداع أسلحة للموت باستخدام وسائل مدنية.. وأسفر العقل الإرهابى عن استخدام السيارات فى الدهس، مثلما تحولت الطائرات إلى صواريخ، والله أعلم ما هو القادم الجديد.
الإرهاب يطور أسلحته بوسائل لا يمكن ملاحقتها أو التنبؤ بها.. ومهما بلغت قوة أجهزة التخابر العالمية، فسوف تعجز عن ملاحقة الذئاب المنفردة، لأنهم أفراد عاديون، لا ينتمون لتنظيمات معروفة، وليسوا مسجلين فى قوائم الإرهاب، ولا تتوافر بشأنهم معلومات متبادلة، وينطلقون فى التوقيت الذى يختارونه دون سابق إنذار، ولا يمكن الوقاية من جرائمهم أو إجهاضها قبل وقوعها، بشر عاديون يعيشون ويأكلون ويشربون وليست لهم علامات مميزة، وفجأة ينقلبون إلى ذئاب، مثل أفلام الرعب التى تبثها الفضائيات بعد منتصف الليل.
لم تفهم الدول الأوربية الدروس المستفادة من الشرق، وأهمها أن إشعال الحروب الدينية نار تحرق الجميع، فعقيدة هذه الجماعات تتجه فى مرحلة ما إلى الغرب برغم أنه الكافر والمتآمر ضد الإسلام، فلما احتوت أمريكا أسامة بن لادن لم تستطع ترويضه وانقلب عليها، ولن تكون فى يوم من الأيام صديقاً أو حليفا للغرب، الذى يستخدمها كشوكه فى ظهر دولها وشعوبها.
الذى يخون بلده أهون عليه أن يخون الآخريين لأن الخيانة ليست لها قوانين، ولا تعرف عهداً أو وعداً أو كلمة شرف، وكل أطرافها عديمو الشرف، تربطهم جميعاً معاهدات عنوانها «اتفاق الاندال»، ولا يثق كل طرف فيها فى الآخر ويتحين الفرصة لخداعة والتخلص منه، فقادة الإرهاب فى أوروبا يعلمون جيداً، أن خيانتهم هى سبب إقامتهم وحمايتهم والاحتفاء بهم، وإذا تراجعوا فرقابهم هى الثمن.
رب ضارة نافعة، ليدرك العالم أن الإرهاب ليس شأناً داخليا، كما كانوا يتهمون مصر، وليس سببه انتقاص حقوق الإنسان أو انعدام العدالة والمساواة والظلم الاجتماعى، كما تزعم أوروبا فى تقييمها لأسباب الإرهاب، ففى دولهم تقع هذه الجرائم رغم توافر الضمانات التى يتحدثون عنها، وذئابهم المنفردة لا يعانون البطالة أو الفقر أو الظلم الاجتماعى، ولم يتم تعذيبهم فى السجون والمعتقلات، ولم تنتهك حقوقهم ولم يهانوا فى أقسام الشرطة.
لم تفهم الدول الأوربية حتى الآن، أن سد ثغرات الإرهاب تبدأ من الشرق، لأنها الصوبة التى ترعى كل الجماعات الضالة التى يصعب حصرها واقتفاء أثرها ، وكل يوم تولد تنظيمات وتختفى تنظيمات، وكلها تستخدم أسلحة الغرب ومتفجرات وأمواله، وتستفيد من تكنولوجيته فى التصنيع والتنظيم والحركة، وتتحرك الجماعات الإرهابية مستخدمة تكنولوجيا الأقمار الصناعية، التى يتصور الغرب أن توظيفها فى الشر يقتصر فقط على دول الشرق.
آن الأوان أن يضبط الغرب منظومة اكتشافاته العلمية التى يوظفها الإرهاب لتطوير جرائمه، وأن يفرض رقابة مشددة على قنوات الاتصال التى تستخدمها الجماعات الإرهابية، وأن يكون شريكاً فى عون الدول المضارة فى التخلص من السرطان الإرهابى المنتشر.
آن الأوان أن يدرك الغرب أن الخطر اقترب من بيته.. وأوشك على دخول غرفة نومه.