كان الدكتور رفعت السعيد، يرحمه الله، واضحا فى مواقفه، تجاه قضايا محددة، لهذا كان هناك دائما مختلفون معه ومتفقون، كما هو شأن السياسة. والمختلفون معه نوعان، الأول واضح وهم تيارات الإسلام السياسى، ومن كان يسميهم «التيار المتأسلم»، وخصص مساحة كبيرة من كتاباته وهو يحذر من تيارات تخلط السياسة بالدين.. ويعد كتابه عن حسن البنا تعبير مبكر عن هذا الموقف.
وكان طبيعيا أن يعتبره التيار الدينى السياسى خصما، لكن كان معه قطاع من اليسار يختلف مع السعيد على نفس أرضية خلاف الدين المسيس، وهؤلاء لم يجدوا تناقضا فى التقارب والتحالف، بل والتنسيق مع التيارات الدينية.
أما تيار اليسار العام فقد كانت له خلافات واتفاقات مع رفعت السعيد، فيما يتعلق بالمواقف السياسية، يعترفون له بإنجازاته على المستوى الفكرى والسياسى، مع احتفاظهم بمساحات خلاف فى مواقف من السلطة، والاولويات.
رفعت السعيد سياسى عصامى تدرج من عضو فى تنظيمات شيوعية سرية وتدرج ليحتل موقعا قياديا، ومع حزب التجمع انتقل من العمل السرى للعلنى، طبيعى أن يكون هناك اختلاف بين العمل السرى والعلنى وضرورات يفرضها العمل السياسى، والانتقال إلى العمل السياسى العلنى له مطالبه أهمها هو التعايش فى صيغ توافقية بين متناقضات، بينما التنظيمات السرية تعيش أكثر على الشعارات خاصة إذا بقيت ضمن أعداد محدودة تنعزل عن المجتمع وتطوراته السياسية والاجتماعية.
حزب التجمع الوحدوى التقدمى قام على صيغة تجمع طيف واسع من اليسار يشمل الشيوعيين والناصريين والقوميين.. كانت معارضة الرئيس أنور السادات هى الرابط فى تماسك حزب التجمع، لكن رحيله فجر التناقضات وانتهى بانشقاقات متوالية.
كان خالد محيى الدين بما له من كاريزما ووضع القيادة التاريخية، وعلاقاته مع كل التيارات يمثل الحل التوفيقى الأمثل لزعامة التجمع. ومع الوقت واجه اليسار أزمات نظرية وعملية على مستوى العالم، سقط جدار برلين 1989، ثم الاتحاد الاتحاد السوفيتى وجرى تفكك سريع للكتلة الاشتراكية. وبقيت الولايات المتحدة قطبا واحدا.
وعجزت تيارات اشتراكية كثيرة عن التعايش وسط عواصف التحولات، فيما كانت هناك أصوات مثل الدكتور فؤاد مرسى أشارت إلى أن «الرأسمالية تجدد نفسها»، ظلت قطاعات متمسكة بالتجربة الاشتراكية من دون تجديد.
كانت أزمة حزب التجمع والأحزاب اليسارية سابقة على تولى رفعت السعيد رئاسته.. وكان طبيعيا أن تظهر خلافات داخل التجمع والدكتور رفعت السعيد، بسبب القرارات التى يتخذها، لكن الأمر لم يكن بعيدا عن أزمة عامة تعانى منها الأحزاب عموما، واليسار على وجه الخصوص.. كل هذا قبل أن يترك خالد محيى الدين رئاسته. ومن المفارقات أن كثيرين ممن كتبوا بعد رحيل رفعت السعيد أنهم يختلفون أو اختلفوا معه، لم ينجح أى منهم فى تقديم تجربة بديلة، وعندما أتيحت لهم الفرصة لإقامة أحزاب أو تكتلات لليسار ظلت أحزابا ضعيفة.. وبالتالى فالأزمة لم تكن أزمة رفعت السعيد، ورئاسته للحزب، لكن أزمة اليسار بتنوعاته.