بعيدًا عن المزارع وأماكن المرعى والتسمين وخارج الإطارات الخشبية التى تحيط بالخرفان والمواشى، خرجت قطعان الخرفان إلى الشوارع تصول وتجول تحت رعاية مجموعة من الأطفال، دائمًا ما يكونوا من أقارب أو أبناء الجزارين الذين يبدأون عملهم مع موسم العيد، يضعون الخرفان تحت أعينهم، لتأخذ حريتها فى الشوارع الداخلية لأحياء القاهرة، دون أن يمسها مكروه.
وفى مشهد أقرب ما يكون إلى الغزو التتارى للبلاد، فى خلفيته أصوات "المأمأة" ورائحة العلف والبرسيم، فك الجزارون قيود الخرفان وأطلقوا سراحها فى الشوارع غير عابئين بحركة السير أو الفضلات التى أصبحت جزء لا يتجزأ من الشارع، ورغم ذلك لا يستطيع أى شخص أن يبدى امتعاض من هذا المشهد، فسيجد الرد المباغت المصحوب بـ "زغرة" من قبل الجزار أو أحد صبيانه "ده موسم يا بيه كل سنة وأنت طيب".
وفى جولة بعدسة "اليوم السابع" فى عدد من شوارع وأحياء القاهرة المحيطة بمنطقة المدبح والسيدة زينب وغيرها من المناطق الشعبية التى تمتلك روح لكل مناسبة ونكهة مختلفة، واجهنا العديد من المشاهد التى كان البطل فيها الخرفان، بدأ أولها مع المحال التى اعتبرت أن المنطقة الموجودة أمامها والمحيطة بها من الجوانب ما هى إلا ملكية خاصة يمكن استغلالها بشتى الطرق لتكون منتجع سياحى فاخر للخرفان، يلهون بإطارات السيارات، ويضعون عليها البرسيم، ويعتبرون الأشجار مساحة مخصصة للاحتماء من حرارة الشمس، فضلًا عن اللمبات المضيئة التى لا يمكنها أن تعمل إلا على أنغام كافة المهرجانات الشعبية ويبدأ هذا المشهد فى ساعات مبكرة من الصباح، ويستمر حتى وقت متأخر من الليل.
أما المشهد الثانى فتحدث عنه الحاج علاء الجزار صاحب الـ 58 عامًا، وقال "يعنى هنودى المواشى فين، الناس لازم تساع بعضيها، وبعدين مهما بيجيبوا خرفانهم نربيهالهم هنا قبل العيد بأسبوعين على الأقل، وأحنا بنكون عندنا مواشى المحل، وبنحاول ننظف على أد ما نقدر يعنى وأهو موسم والكل بيرزق"، وأضاف "الستات فى البيوت مبتعرفش تتعامل مع الخرفان، ومعندهاش طاقة ليها، ومتعرفش تسايس وتظبط الأكل الصح، لأن أغلب اللى بيشترى خرفان دلوقتى بتكون شاربة مية عشان تتقل الوزن ويتفاجأ صاحبها ساعة الذبح إنها خاوية لحم".
من جولات الخرفان فى الشوارع وأسباب الجزارين ومبرراتهم إلى المشهد الثالث الذى يهم المواطنين ويجعلهم متقبلين "زفة" الخرفان التى تدخل الشارع يوميًا بالطبل مزينة بأطواق الورد وفروع النور والبلالين، وكأنها عروس ليلة زفافها دون أن يعربوا عن انزعاجهم، وذلك بسبب الأسعار التى تحدث عنها عبد الله الشاب العشرينى الذى يعمل مع والده فى مهنة الجزارة منذ ما يقرب من 9 أعوام وقال :تراوحت أسعار الخرفان ما بين 45 و 50 جنيها للكيلو، ومنذ سنوات عديدة لم تشهد ارتفاع أسعار كتلك التى حدثت هذا العام، مشيرًا إلى أن شراء لحمة العيد عادة ولا يمكن لأحد أن يتخلى عنها، لكن معظم الأسر المصرية حاليًا تتحايل على هذا الغلاء من خلال شراء اللحمة المدعمة والمجمدة مع كام كيلو لحمة بلدى لضمان الطعم، مؤكدًا أن فكرة المشاركة فى الأضحية بين أكثر من أسرة زادت أيضًا هذا العام، لأن الناس "طمعانة فى ثواب ربنا"، والدليل على ذلك أن أكثر من أسرة يشتركون فى خروف واحد، بعدما كان شراء العجول والمشاركة فيها هو الأكثر شيوعًا فى السنوات السابقة.
كانت المشاهد السابقة التى رصدتها عدسة اليوم السابع هى المسيطرة على شوارع القاهرة، وأصبحت علامة مسجلة متسقة مع بدء موسم عيد الأضحى المبارك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة