الخميس الماضى شهدت مدينتى برشلونة وكامبريلس الإسبانيتان عمليتى دهس مما أسفر عن ضحايا من 34 جنسية، منهم 14 قتيلا، إضافة إلى 5 إرهابيين قتلتهم الشرطة الإسبانية برصاصها، أما الجرحى والمشوهون، فعددهم 130 بينهم 17 بحالة خطرة، مع 30 أقل خطورة، وبين الجميع عرب من 5 دول، وقالت الشرطة الإسبانية إن الهجومين جرى التخطيط لهما منذ فترة من قبل أشخاص فى بلدة ألكانار، التى كانت مسرحاً لانفجار وقع فى منزل الأربعاء الماضى، وتعتقد السلطات الإسبانية أن ثمانية أشخاص ربما شكلوا خلية نفذت الهجومين وخططت لاستخدام أسطوانات غاز البوتان.
وبعدها بيوم أعلنت الشرطة الفنلندية مقتل شخصين وإصابة ثمانية فى عملية طعن بمدينة توركو جنوب غرب البلاد، بعدها بأربع ساعات تقريباً قالت الشرطة الألمانية أن شخصا قتل وأصيب آخر فى حادث طعن فى مدينة وبيرتال غرب ألمانيا.
الملاحظ أن الحوادث الثلاثة تأتى استكمالا لحوادث مشابهة شهدتها العديد من المدن الأوروبية، رغم أن مسؤولى هذه الدول حاولوا إيجاد حل لمواجهة حوادث الدهس، التى لجأ إليها الإرهابيين بعدة أسباب، منها أنها عمليات يسهل تنظيمها ومن المستحيل منعها، كما أن مدى فاعليتها هائل بنظر الإرهابيين نسبة إلى كلفتها، ومن يتابع الدعاية التى يصدرها تنظيم داعش الإرهابى سيجد أنه منذ فترة وهو يروج لهذه النوعية من العمليات، التى توصف بأنها «إرهاب منخفض الكلفة»، ووفقاً لتقرير بثته وكالة الإنباء الفرنسية الجمعة الماضى، فقد وردت هذه العمليا فى بادئ الأمر فى دعاية تنظيم القاعدة منذ 2004-2005، ثم تحدث عنها تنظيم داعش، ولا سيما مسؤول الدعاية فى التنظيم أبومحمد العدنانى قبل مقتله عام 2016، وهو ما يؤكد أن الإرهابيين حالياً لا يبحثوا عن عمليات كبرى ذات زخم، كما يحدث فى التفجيرات الإرهابية، وإنما يركزون فى الوقت الحالى على هدف واحد، وهو إحداث نوع من ضرب الثقة فى الجهة أو الدولة المستهدفة، من خلال عمليات الدهس، التى تعطى انطباعا لدى المواطنين بعدم الشعور بالأمن أثناء سيرهم فى الشوارع، أو وجودهم فى الميادين والمزارات السياحية المهمة بأوروبا، كما يركز الإرهابيون على أن تكرار هذا النوع من العمليات سيصيب الأجهزة الأمنية فى أوروبا بالشلل التام، خاصة إذا ما سارت هذه العمليات وفق ترتيب زمنى معين وفى مدن أوروبية مختلفة.
السؤال الآن، كيف ستواجه أوروبا هذا النوع من الإرهاب المؤلم؟.. الإجابة بطبيعة الحال صعبة وتحتاج لوقت طويل ودراسة، خاصة أن ردود الأفعال عليها حتى الآن لا تنبئ بأن هناك توجها جديا للمواجهة، فمن يتابع تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الجمعة الماضى التى قال خلالها «يجب وقف الإرهاب الإسلامى المتطرف بأية طرق لازمة! يجب أن تمنحنا المحاكم حقوقنا التى تحمينا. يجب أن نكون أكثر شدة»، سيتأكد أن الغرب مازال يسير فى دائرة مغلقة، وهى دائرة الإرهاب الإسلامى، دون أن يحاول إيجاد الحلول المناسبة، أو الاستعداد لمواجهة بعيدة المدى.
كثيرون فى أوروبا يروق لهم الحل العملى الذى لجأت له مدن أوروبية تعرضت فى السابق لعمليات دهس، وهو بناء حواجز أمنية حول الشوارع والميادين والأماكن المتوقع استهدافها من الإرهابيين، لكن يبقى هذا الحل مكلفاً، كما أنه فى الواقع لم يقلل من عمليات الدهس، ويكفى أن أشير إلى تقرير آخر أعدته وكالة الأنباء الفرنسية حول حوادث الدهس التى شهدتها أوروبا خلال عام مضى والإجراءات التى تمت للتأكد من أنها مجرد حلول وقتية.
التقرير قال إن العاصمة البريطانية لندن شهدت فى مارس الماضى حادث دهس من جانب شخص ضد بعض المشاة على جسر ويستمنستر قبل أن يطعن حتى الموت شرطيا غير مسلح يحرس البرلمان البريطانى، ونتج عن الحادث مقتل ثمانية أشخاص، وأعقبه وُضع حواجز أمنية على أرصفة ثلاثة جسور فى وسط لندن فى يونيو الماضى، وسبق أن اتخذت بريطانيا إجراءات مماثلة حول القصور الملكية بعد هجوم برلين الذى استهدف سوقا قبل احتفالات عيد الميلاد فى ديسمبر 2016 والذى قتل فيه 12 شخصا، كما أغلقت الشرطة الشوارع المحيطة بقصر باكنجهام خلال مراسم تبديل حرس الشرف، والتى تجذب انتباه حشود السياح باستمرار، كما وضعت حواجز أسمنتية حول قصر ويندسور، مقر إقامة الملكة خارج لندن، وهناك حواجز حول البرلمان والمبانى الحكومية منذ سنين.
وبعد تعرض فرنسا لعدة اعتداءات عبر الدهس بالسيارات منذ أن أقدم رجل يقود شاحنة على دهس حشد من الناس فى مدينة نيس فى 14 يوليو 2016، ما أدى إلى مقتل 86 شخصا وسقوط 400 جريح، يتم وضع حواجز أسمنتية مؤقتة باستمرار عند مداخل «التجمعات الكبيرة»، على سبيل المثال فى جادة الشانزلزيه وفى مركز مدينة ستراسبورج التاريخى، أما بالنسبة لمنطقة المشاة على ضفاف نهر السين فى باريس، فحتى وقت قريب كان هناك منافذ لدخول السيارات للسماح لمرور سيارات الطوارئ، لكن هذه المنافذ تغلقها الآن سيارات الشرطة.
وفى برلين لا تزال الإجراءات الأمنية المتخذة فى ألمانيا محدودة رغم هجوم سوق أعياد الميلاد فى برلين، وتم وضع حواجز أسمنتية أمام بعض الأسواق فى هذا الوقت لكنها سرعان ما أٌزيلت، كما وضعت كتل خرسانية فى بعض أسواق أعياد الميلاد الرئيسية فى النمسا بعد هجوم برلين، وفى بلجيكا أوصى مسؤولون بوضع حواجز خرسانية وإجراءات أخرى لحماية الأهداف السهلة مثل التجمعات الكبيرة للمشاة، كما وضعت حواجز خرسانية على شكل أسود فى شوارع المشاة الرئيسية فى العاصمة السويدية بعد أن دهست شاحنة متسوقين خارج محل مكتظ فى أبريل الماضى ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص بينهم طفلة عمرها 11 عاما.
المؤكد أن أوروبا تتعرض لنوع جديد من الإرهاب، يستلزم منها البحث عن آلية جديدة للمواجهة، بعيدة عنة إطلاق الشعارات مثل مواجهة الإرهاب الإسلامى، أو الحلول الوقتية التى لن تجدى نفعاً مثل بناء الحواجز الأمنية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة