نواصل اليوم استكمال نشر أجزاء من التقرير الأمنى السنوى لمجلس الأمن القومى الأمريكى، الذى تضمنه البحث الذى كتبه الباحث نبيل إبراهيم.. يقول الباحث: غاية أمريكا من السيطرة على النفط العراقى هى السيطرة والتحكم باقتصادات الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا، وكذلك التنين الصينى، وباقى دول العالم كاليابان والبرازيل، من خلال السيطرة والتحكم بأسعار النفط، والتحكم بأسعار الدولار، خصوصا بعد الكارثة المالية التى عصفت بالاقتصاد الأمريكى والاقتصاد العالمى، ولهذا تريد أمريكا أن تكون أقوى الضعفاء بعد غرقها فى المستنقع العراقى، وتكبدها لخسائر جسيمة بالأموال والأرواح، ولتحقيق ذلك لجأت أمريكا إلى تطبيق سياسة الدولار الضعيف، برغم أن الكثير يعتقد أن الدولار الضعيف يجسد نهاية هيمنة وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم، وأن هذه الهيمنة تعيش لحظاتها الأخيرة نتيجة ما ارتكبته فى الساحة الدولية، لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، فضعف الدولار ما هو إلا سياسة جديدة تحكم الولايات المتحدة يدها على خناق الجميع، فسياسة الدولار الضعيف وسيلة متعددة الأغراض تحقق كل مصالح الولايات المتحدة ليس فقط اقتصاديًا، وعلى المستوى الداخلى، بل سياسيًا ودوليًا، فبهذه السياسة سيصبح النظام المالى العالمى تحت السيطرة الأمريكية، التى تحاول دائمًا تصويره على أنه فى أحسن أحواله، نتيجة حسن الإدارة الأمريكية الرشيدة.
إن سياسة الدولار الضعيف تمكن أيضًا من الضغط على اليورو الذى مثلت ولادته تحديًا لهيمنة الدولار الأمريكى على السوق المصرفية الدولية، وأحد أفضل الطرق لضرب اليورو هو رفع قيمة الدولار أو تخفيضها وفقًا لتغيرات الوضع الاقتصادى الدولى فى مختلف الفترات لإضعاف اليورو والسيطرة على الاقتصاد الأوروبى، فسياسة الدولار الضعيف سيف ذو حدين، تستفيد منها الولايات المتحدة وتدفع ثمنها أيضًا. مثلًا، بتخفيض قيمة الدولار، انخفض تدفق الاستثمار الأجنبى إلى الولايات المتحدة بنسبة 64%، وتسرب الرأسمال إلى الخارج، وفقدت الممتلكات بالدولار الأمريكى قوتها الجاذبة السابقة، كما أن السيطرة على النفط العراقى والتحكم من خلاله بأسعار النفط والاقتصاد العالمى بشكل عام، خصوصًا الدول المستوردة للنفط، فسيطرة أمريكا على العراق ستجعلها تتحكم بأسعار النفط، وستنخفض إلى أدنى مستوى، وسيصل النفط الخليجى، ليس العراقى فقط، إلى أمريكا بأبخس الأثمان، حيث لن يكون النفط الخليجى ذا أهمية على اقتصادها، مما ينعكس فى النهاية على المستوى الاقتصادى لهذه الدول، وهذا سيؤدى إلى إضعاف الدول الخليجية والدول العربية عمومًا، حيث تمثل الدول الخليجية القوة الاقتصادية للدول العربية.
ماذا كانت النتيجة بعد كل هذه السنين؟ هل نجحت أمريكا فى السيطرة على العالم من خلال سيطرتها على النفط العراقى؟ ألم تمر أمريكا بأسوأ كارثة مالية منذ مائة سنة؟ ألم تعلن مئات البنوك الأمريكية إفلاسها؟ ألم يكن شعار أوباما، الرئيس السابق، فى حملته الانتخابية سحب القوات المحتلة الأمريكية من العراق بأسرع وقت؟ ألم يكن شعاره تحسين الوضع الاقتصادى الأمريكى المنهار جراء غزوه للعراق؟ ألم تكن هذه الشعارات سببًا فى وصوله إلى البيت الأبيض؟ ألم تنتشر هذه الكارثة الاقتصادية فى عموم العالم؟ ألم تعلن دول عديدة إفلاسها؟ اليونان ونيوزيلندا والبرتغال ودول أخرى كثيرة، ناهيك عن دول الخليج العربى.
إن أمريكا تقاتل بشتى الوسائل لتكون أقوى الضعفاء، وبرأيى أن أمريكا لم تسطع حتى الآن الاستفادة من نفط العراق، أحد أهداف الاحتلال الرئيسية، وسبب ذلك هو إدراك المقاومة العراقية للمخططات الأمريكية، التى سرعان ما كانت أنابيب النفط، خاصة جيهان كركوك، وخطوط النفط المرتبطة بمصفاة بيجى، ورغم شركات الحراسة الخاصة التى أوكلتها سلطات الاحتلال لتأمين أنابيب النفط العراقية من هجمات المقاومة، فإن المقاومة نجحت حتى الآن فى منع الاحتلال الأمريكى من الاستفادة بأى قطرة من النفط العراقي.
ولو تأملنا فى هذه الأهداف لوجدناها تصب فى مصلحة الكيان الصهيونى أولًا.. ولو تأملنا من يدعم هذه الحرب لوجدناهم من كانوا سببا فى وجود الكيان الصهيونى.. وهذه الحرب إن نجحت فى تحقيق أهدافها- لاسمح الله- ستكون بداية الطريق للكيان الصهيونى لتحقيق أطماعه التوسعية، أو مايسمى بإسرائل الكبرى.
إن أهداف أمريكا عديدة ومتداخلة، فإذا تأخر تحقيق هدف كبير فهى تعوضه بمجموعة أهداف صغيرة.
ويبدو من سياق الأحداث والتطورات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط أن الأجندة الأمريكية لا تقتصر على العراق وحده، وما يشكله من أهمية نفطية لأمريكا والعالم، لكنها تطال دولًا أخرى، فمجموعة الصقور الأمريكية المتنفذة تريد إضعاف الدور السعودى فى السوق النفطية العالمية وتقليص نصيبها من الصادرات وممارسة ضغوط على دول أخرى فى منظمة الأوبك لتحقيق هذا الهدف، وتعقد آمالاً كبيرة على السيطرة على نفط بحر قزوين، والأهم من ذلك كله أن مجموعة الضغط الأمريكية ترغب فى إقامة نظام أموال لأمريكا فى العراق ليكون قادرًا على فتح الأبواب أمام شركات النفط الأجنبية، خاصة الأمريكي،ة للسيطرة على هذه الثروة الاستراتيجية ووضعها تحت نفوذها ومخططاتها، وهذا ما حدث بعد غزو واحتلال العراق، ومن هنا فإنه يمكن القول بأن الأهداف الأمريكية فى المنطقة، بالإضافة إلى التدخل عسكريًا فى العراق، وغيره من الدول المجاورة، والسيطرة على منبع النفط فى منطقة الخليج لاحتوائها على 60% من احتياطى النفط فى العالم، هى إقامة قاعدة عسكرية سياسية تمكنها من ممارسة نفوذ أكبر على كل دول المنطقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة