عباس شومان

حق الأم غير المسلمة فى حضانة ابنها المسلم

الأربعاء، 23 أغسطس 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
موضع عيش الأطفال الطبيعى هو بين أحضان الأبوين، يتعاونان فى رعايتهم وتهذيبهم وتربيتهم وتنشئتهم على الأخلاق الحسنة حتى يشبوا صالحين فاعلين فى مجتمعهم، قادرين على رعاية أنفسهم ونفع غيرهم، وتكوين أسرة يتقلدون فيها دور الآباء يرعون أبناءهم وآباءهم معا، ولذا حرص الإسلام على بناء الأسرة بناء سليما على أسس يرجى معها استقرار الزوجية ويجنبها ما ينهيها أو يكدر صفوها، بداية من توجيه الخاطب إلى خطبة من تملك صفات معينة يرجى معها دوام الزوجية بعد حصولها مع المودة وحسن تربية الأولاد ورعايتهم، وتوجيه الفتاة وأوليائها إلى من يقبلون ممن يتقدم للخطبة، وهو من يملك صفات يرجى معها أن يكون زوجا صالحا يحترم الحياة الزوجية، ويصون الزوجة، ويحسن القيام بشأن من يعول وفى مقدمتهم أولاده وزوجته، ومرورا ببيان حقوق الزوجية وواجباتها، وحقوق الأبناء على الآباء مع واجباتهم نحوهم، وفى حالات الشقاق التى تعرض بين الزوجين يكون التوجيه بكيفية إنهائه فى بدايته قبل استفحاله، حفاظا على بقاء الزوجية وإعادتها إلى مسارها الصحيح، وحتى بعد وقوع الفرقة بالطلاق ونحوه، فإن استعادة الزوجية مرة أخرى مرجوة من شريعتنا وممدوحة «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان».
فإن تعذر الإبقاء على الزوحية بشكل كامل ووقعت الفرقة النهائية وكان هذا الزواج قد أثمر طفلا صغيرا أو أكثر فى حاجة إلى رعاية وحضانة، فإن تعذرت رعايته من الوالدين معا لحصول الفرقة بينهما، كان من الضرورى أن يبين الفقه الإسلامى الأحق برعايته حتى يشب ويمكنه الاعتماد على نفسه.
 
وقد أجمع فقهاء المسلمين على أحقية الأم وتقدمها فى رعاية أطفالها الصغار، وليس من حق والده أو غيره منازعتها فى حضانتها لأطفالها الصغار متى كانت الأم متحدة فى دينها الذى تعتقده مع والد الطفل، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابنى هذا كان بطنى له وعاء، وحجرى له حواء، وثديى له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه منى؟ فقال: أنت أحق به ما لم تنكحى، ويدل على تقدم الأم فى استحقاق الحضانة ما روى أن رجلا أتى إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك، وما روى أن سيدنا عمر طلق زوجته أم عاصم فلقيها ومعها عاصم فأراد انتزاعه منها فقضى أبو بكر - رضى الله عنه - لها به وقال لسيدنا عمر - رضى الله عنه: «ريحها وشمها ولطفها خير له منك»، وإنما تقدمت الأم على الأب فى الحضانة لأطفالها لحاجة الطفل إلى الرعاية واللطف واللعب فى صغره، والأم أقدر على ذلك من الرجال، ويتأكد هذا الحق أن كان الطفل فى مرحلة الرضاع لقوله تعالى: «والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين» فإذا رضيت الأم اختيارا بترك حقها فى الحضانة، واتفقت مع الزوج على انتقال الحضانة إليه أو إلى غيره من الحاضنين فلا بأس فى ذلك، ولا تجبر عليه إذا كانت لا تستطيع القيام بأعباء الحضانة لانشغالها بعمل يستغرق وقتا لا تتمكن معه من رعايته أو انشغلت بزواج تشغلها حقوقه عن رعاية طفلها أو كانت غير صالحة لتنشئة الطفل تنشئة صالحة لإدمانها المخدرات ونحوها.
 
وهذا الذى اتفق عليه الفقهاء فى حال كون الأم على دين الأب، فإن كانت الأم غير مسلمة، وهو متصور؛ لما هو معلوم من جواز تزوج المسلم من كتابية، فقد اختلف الفقهاء فى حكم استحقاقها للحضانة عند الانفصال، وإذا كان جمهورهم لا يعطيها حق الحضانة معللين ذلك بأن الولد يتبع والده فى الدين، فتكون الحضانة له، وليس لوالدته؛ ليتمكن من تعليمه أمور دينه وتنشئته على الإسلام، إلا أن الحنفية وهو المشهور عند المالكية يجعلون الحق لها كالمسلمة، ولا يرون اختلاف الدين مؤثرا على استحقاق الحضانة، فتستحق الأم غير المسلمة حضانة ولدها كالمسلمة، ولا فرق، فأهل الذمة فى الحضانة بمنزلة أهل الإسلام فى مذهب الإمام أبى حنيفة، لأن هذا الحق إنما يثبت بالنظر للصغير، والأحسن للصغير أن يكون عند أمه؛ لكمال شفقتها عليه وزيادة قدرتها على رعايته.
 
وهذا الذى ذهب إليه الحنفية والمالكية فى المشهور عندهم، هو الأوفق لقواعد ومبادئ شرعنا الحنيف، ويؤيده ما رواه الإمام الترمذى فى سننه وحسنه والإمام أحمد فى مسنده بسنده عن النبى - صلى الله عليه وسلم: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» فالحديث عام لم يفرق بين أم وأم ولا بين ابن وابن، ومما لا جدال عليه فى شرعنا أن الكتابية صالحة للأمومة لولدها المسلم، ولا يخشى على دينه منها، وهى فى زوجية والده مع أن كثيرا من الآباء يتركون أولادهم لزوجاتهم غالب اليوم وينشغلون بأعمالهم وربما أسفارهم، وتتولى نساؤهم مهمة رعايتهم وتربيتهم بما فيهن من زوجات كتابيات، فلا ينبغى أن يكون مجرد الانفصال بين الزوجة غير المسلمة وزوجها المسلم مسقطا لحقها فى رعايته، كما أن انفصالها عن والد الطفل لا يمنع الوالد من رعاية ولده ومتابعة حاله والاطلاع عليه، فالطفل المحضون ليس على الأم إلا رعايته وحفظه، وكل ما يتعلق بنفقته من طعام وشراب وملبس وعلاج إن مرض، وتعليم وغير ذلك هو على والده.
 
وهذا يعنى أن الوالد يبقى له الحق فى إلحاقه بالتعليم الذى يراه صالحا لتنشئة الطفل على مبادئ دينه وقيمه وهو فى حضانة أمه، حتى ذكر الفقهاء أن من حق والد الطفل المحضون أخذه لمعلم يعلمه، ومؤدب يؤدبه فى بيته ثم يرده إلى أمه ليبيت عندها.
 
وقد يتعلل البعض بأن الأم غير المسلمة قد يخشى على الولد منها، فالأولى أن يسقط حقها فى الحضانة، وهذه حجة ضعيفة، فللأب أن يطالب بنزع الولد من أمه، متى تحقق عنده خطرها على دينه وتربيته، سواء كانت الأم الحاضنة مسلمة أو غير مسلمة.
 
ولذا فإن اختلاف دين الأم عن دين الطفل الذى يتبع فيه والده لاينبغى اتخاذه ذريعة لحرمان الطفل من حنان أمه ورعايتها له، ولا ينبغى اتخاذه ذريعة لكسر خاطر الأم وحرمانها من فلذة كبدها، ولأن التذرع بالخوف على دين الطفل من حضانة أمه غير المسلمة يمكن أن يتخذ من قبل ضعاف النفس والإيمان مدخلا للتنكيل بالأم، لاسيما إن كانت هى من سعت لإنهاء زوجيتها من والد الطفل، وهذا يتنافى مع أخلاقيات ديننا وتعاليمه.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة