لماذا يذهب مسلمون إلى مولد السيدة العذراء للاحتفال بصيام العذراء، وذكرى لجوء العائلة المقدسة إلى مصر؟ لماذا يعتبرون هذا المولد هو مولدهم مثلما هو مولد للمسيحيين؟
حدث المولد معتاد كل عام فى شهر أغسطس، ويستمر لمدة 15 يوما، وخاص بالسيدة مريم بنت عمران، خير نساء العالمين، والوحيدة التى سميت سورة باسمها فى القرآن الكريم، فإن محبة كل مسلم وتقديسه لها لا يحتاج إلى برهان، ولأنها هاجرت بابنها عيسى المسيح عليه السلام من فلسطين إلى مصر هربا من بطش الملك هيرودس الذى كان يسعى لقتل المسيح، ومضت الرحلة فى مصر من أقصاها إلى أقصاها، واستمرت أكثر من ثلاث سنوات حتى كانت العودة لمدينة الناصرة.
ولهذه الأسباب فإن مريم العذراء تمثل للمصريين حالة خاصة، ويأتى الاحتفال بمولدها جامعا للكل، يذهب مسلمون إليه جنبا إلى جنب مع المسيحيين، والكل فى هذا المشهد مصرى لا يفرقه دين ولا طائفة.
للموالد بشكل عام فى مصر خصوصية فهى مناسبات تعبر تعبيرا صادقا عن الثقافة المصرية الأصيلة بمكونها الشعبى، وفى كل قرى مصر تقريبا توجد مناسبات موالد، وتتفاوت أهمية الاحتفال بها من قرية إلى أخرى، ففى الوقت الذى تتراجع أهميتها فى بعض القرى، نجدها قوية فى قرى أخرى، وتلك مسألة تحتاج إلى دراسات اجتماعية وثقافية لمعرفة أسباب تراجعها فى أماكن واستمرارها فى أماكن أخرى.
واللافت فى هذا الأمر أنه بالرغم من انتشار جماعات التطرف فى العديد من القرى والنجوع منذ سبعينيات القرن الماضى بما لها من موقف معادى لهذه الموالد، وحاولت التعبئة ضدها إلا أنها لم تستطع القضاء عليها، فبقيت كحالة من الحالات الشعبية فى مصر التى تعود عليها أهلها الذين يحرسونها من شر هؤلاء الذين يجهلونها، ولأنهم يجهلونها تصوروا يوما بغرورهم أنهم يستطيعون القضاء على ثقافتها وحضارتها التى بدأت منذ فجر التاريخ ومرت بعصور فرعونية وقبطية وإسلامية، وأعطى كل عصر من هذه العصور لمصر خصائص وقسمات حضارية جعل منها بلد يختلف عن غيرها، جعلها بلد عظيم يعجز عن فهمه كل الذين أرادوا تذويبه تحت شعارات خادعة كالخلافة وغيرها، وحملوا السلاح لقتل أهله وقتل الذين حملوا مشاعل النور.
انتصرت مصر بثقافتها وحضارتها على كل الأفكار المتطرفة وعلى كل خفافيش الظلام، وعلى كل الذين أرادوا أن يخرجوها من شخصيتها الحقيقية، والمعروف تاريخيا أن سر عظمتها وقوتها هو فى أنها جعلت شخصيتها غالبة على كل شىء دخلها من خارج حدودها، فقامت بتمصيره وأضافت عليه خصائصها الحضارية، وليس بعيدا عن ذلك مسألة الاحتفال بمولد العذراء، الذى يعتبره المصريون كلهم مولدهم فيحتفلون به المسلمون والمسيحيون
فى طقوسنا وثقافتنا الاجتماعية اليومية فى القرى والنجوع سنجد الكثير من الممارسات والعادات التى تقاوم التطرف والإرهاب، وتهزمه شر هزيمة، وليس بعيدا عن ذاكرتنا ما حدث أثناء حكم جماعة الإخوان من فتاوى أصدرها كبار قادة الجماعة، وأصدرها سلفيون ومتطرفون بتحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم، ولأنها فتاوى ضالة وشاذة تجهل صحيح ديننا الإسلامى الحنيف رفضها المسلمون، وبقوا على عادتهم فى تهنئة المسيحيين وزيارتهم، وذلك فى رسالة واضحة تعنى أن راية الوطن هى التى يجتمع تحتها الجميع، وأن الثقافة المصرية الأصيلة لا تجعل تعامل المسلم والمسيحى على أساس الديانة وإنما على أساس المواطنة، وهذا بالضبط مايحدث فى مولد السيدة العذراء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة