صدق من قال : "الحاجة أم الاختراع" ، فبالفعل ، نحن عندما نحتاج إلى شيء ، تتدفق عقولنا بالأفكار الجديدة غير النمطية ، فأي اختراع أساسه موقف ، كان لابد من معالجته ، ولذا لابد لنا أن نُفرق بين الاختراع والاكتشاف ، فالاختراع هو ثمرة بحث وتفكير ، أما الاكتشاف ، فهو عادةً ما يكون وليد الصدفة ، ومن وجهة نظري أن المخترع أعظم من المكتشف ؛ لأنه ترك لعقله وقدراته العنان لكي يساعد على حل مشاكل كثيرة تواجهها البشرية ، فهو يخرج عن الإطار التقليدي ، ويضع تكتيكات متطورة ؛ للوصول إلى حلول جذرية ، تساعد البشر على التواصل مع الحياة ، وأي اختراع حديث ، أساسه فكرة بسيطة قديمة ، نشأت بسبب موقف عارض تعرض له إنسان ، ولكنه لم يتركه يمر عليه مرور الكرام .
وأكبر دليل على ذلك ، أن موقفًا تعرض له الطبيب الفرنسي "رينيه لاينك" ، عام 1816م ، حيث تم استدعائه لفحص فتاة من مرض في قلبها ، ولكنها أبت أن تسمح له بوضع أذنه على صدرها ، كما جرت العادة في ذلك الحين ، وتصادف أن وجد بجوارها صحيفة ، فلفّها على شكل أسطوانة ، ووضع طرفًا منها على صدرها ، والطرف الآخر على أذنه ، فَدُهِشَ حين سمع دقـات قلبها بوضوح ، وما أن فرغ من فحصها ، حتى كانت قد اختمرت في رأسه فكرة (السماعة) ، التي يستعملها الأطباء اليوم في جميع أنحاء العالم .
ثم تطورت هذه الأنبوبة الورقية الملفوفة على نفسها ، إلى أسلاك يصل طولها إلى حوالي 30 سم ، ولها أذينة مستدقة الطرف ، أما الشكل الجديد للسماعة الطبية ، فقد كان من اختراع "آرثر ليرد" و"چوريا كمان" ، عام 1851م ، وأُنتجت بشكل تجاري في عام 1852م ، حيث أصبحت أهم أدوات الطبيب .
وهكذا ، فالموقف البسيط الذي تعرض له الطبيب الفرنسي "رينيه لاينك" ، كان هو أساس اختراع أداة من أهم الأدوات الطبية على الإطلاق .
فما أجمل من أن يتعمق الإنسان في كل مواقف حياته ، ويجعل منها بداية لشيء جديد ، يُذهل به العالم ، ويُساعد به الكثيرين ، ويحفر اسمه على مر التاريخ .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة