خائف يترقب بخطى ومتثاقلة يسير النظام التركى على مبادئ الديكتاتورية التى كرسها الرئيس رجب طيب أردوغان، منذ أن حلقت طموحاته عاليا وقرر فى العام الماضى أن يصوغ دستورا "على مقاسه" ليحمى به عرشه فى بلاد تاريخها حافل بالانقلابات، وفى أبريل الماضى مرر دستور مشوه - بحسب وصف المعارضة - فى استفتاء مثير للجدل، منح الرئيس كافة الصلاحيات وعزيز سلطاته وفرض قبضته الحديدية، وكمم الأفواه وسحق المعارضة الرافضة له، وقلم أظافر المؤسسة العسكرية.
ترسيخ الديكتاتورية العثمانية لم يتوقف عند تمرير الدستور، بل رأت تركيا الوجه الحقيقى للديكتاتورية على مدار الأشهر الماضية التى تلت "استفتاء صنع الديكتاتور" التركى الجديد، حيث واصل النظام موجات الاعتقالات التعسفية فى إطار حملة التطهير التى يقوم بها منذ تحركات الجيش ضد الرئيس فى منتصف يوليو 2016 الماضى، حيث تمت إقالة ما يربو على 150 ألف مسئول واحتجز أكثر من 500 ألف شخص بينهم صحافيين وجنود وأفراد من الشرطة وموظفون وفقا لتقارير رسمية بموجب حال الطوارئ التى أعلنت العام الماضى، فى إجراءات أثارت قلقاً دولياً انتظارا لمحاكمتهم.
المعارضة تبحث عن العدالة فى نظام "العدالة والتنمية"
انتهاكات النظام دفعت المعارضة التركية للبحث عن العدالة داخل البلاد، وعلت صرخاتها فى اقوى وأضخم تظاهرة مناهضة للنظام فى 10 يوليو الماضى، إذ احتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين فى مسيرة "التجمع من أجل العدالة" التى تنظمها المعارضة التركية ضد أردوغان فى إسطنبول، وسط إجراءات أمنية مشددة، ورفع المتظاهرون أعلام تركيا، حاملين لافتات كتب عليها كلمة "العدالة" باللونين الأحمر والأبيض، وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بينهم النائب عن حزب الشعب المعارض، فى الوقت الذى تحدث فيه زعيم المعارضة التركية كمال كيليتشدار أوغلو وهدد بالتصعيد واتخاذ خطوات أخرى.
اتساع حركة الاحتجاجات والارتباك الذى يعيشه النظام بسبب الأزمات الاقتصادية الصعبة، واقحام النظام نفسه فى الأزمة الخليجية ووقوفه إلى جانب الدوحة عبر ارسال آلاف من القوات التركية، فضلا عن انتكاساته فى عملية درع الفرات العسكرية ضد الوجود الكردى فى الحدود العراقية والسورية والتركية، أجبرت اردوغان مؤخرا أن بحكم قبضته بشكل أقوى على المؤسسات، وأصدر قرارا بتعزيز سلطته على جهاز المخابرات الوطنية، بموجب قانون الطوارئ الذى فرضته أنقرة بعد محاولة تحركات الجيش العام الماضى.
ويتيح القرار ربط جهاز المخابرات برئيس الجمهورية، وتسليم صلاحيات ترؤس مجلس تنسيق المخابرات الوطنى من رئيس جهاز المخابرات إلى رئيس البلاد، كما يعطى المرسوم لرئيس الجمهورية الحق فى المصادقة على قرار التحقيق مع رئيس جهاز المخابرات أو رفضه، كما يمنح المرسوم جهاز المخابرات مسؤولية إجراء الخدمات الاستخبارية المتعلقة بوزارة الدفاع وموظفى القوات المسلحة التركية، وفى قرار آخر منفصل أقال أكثر من 900 موظف فى وزارات مختلفة ومؤسسات عامة وفى الجيش.
قرارات الرئيس التركى دفعت المعارضة التركية وعلى رأسها أكبر أحزاب المعارضة زعيم المعارضة التركية، ورئيس حزب الشعب الجمهورى كمال كيليتشدار أوغلو لرفع الكارت الأحمر مجددا فى وجه إردوغان، وعقد اليوم السبت، مؤتمرا من أجل العدالة، يستمر أربعة أيام لتثمين نجاح "المسيرة من أجل العدالة" التى كان نظمها للتنديد بانتهاكات الرئيس رجب طيب أردوغان، ولتسليط الضوء على تفشى الظلم فى عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، قائلا إن البلاد "متعطشة للعدالة".
ونظم رئيس حزب الشعب الجمهورى، المؤتمر فى ساحة مكشوفة فى محافظة جاناكالى، (شمال غرب)، والذى يشمل كل يوم جلسات تتطرق إلى مختلف انتهاكات حقوق الإنسان التى قامت بها السلطة التركية، واحتشد آلاف المؤيدين لزعيم المعارضة التركية، فى الساحة بمحافظة جاناكالى، لمتابعة خطابه عن "المسيرة من أجل العدالة"، وانتهاكات النظام التركى برئاسة أردوغان.
وخاطب كيليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهورى، الآلاف الذين تجمعوا من أجل المناسبة فى الهواء الطلق فى محافظة شنق قلعة فى شمال غرب البلاد، وقال إن هناك "80 مليون شخص متعطشون للعدالة،" فى إشارة إلى عدد سكان تركيا. وقال زعيم المعارضة للحشود "واجبى أن أسعى إلى تحقيق العدالة، وواجبى أن أقف إلى جانب الأبرياء فى وجه الطغاة". ودان حملة القمع التى شهدتها الجمهورية الحديثة لأول مرة فى تاريخها واصفا اياها بـ"الانقلاب على المدنية".
وخاطب أنصاره قائلا: "لدينا الكثير من المواطنين القابعين فى السجون فقط لأنهم ينتمون إلى المعارضة.. النضال من أجل الحقوق هو واجب الشجعان فى هذا البلد".
المعارضة التركية: هل أتت نهاية أردوغان
نجاح المعارضة التركية فى إقامة هذا التجمع بعد أقل من شهرين من مسيرة العدالة الضخمة التى هزت اسطنبول، كان جرس انذار للرئيس التركى الذى مازال حتى كتابة هذه السطور يخطط لإستحداث اساليب فى قمعها، وفى هذا الاطار علق إسحاق إنجى رئيس تحرير صحيفة زمان التركية قائلا: إن المعارضة تحاول بأى وسيلة الظهور ضد الرئيس لكنها لا تجنى ثمارا من الاحتشاد، لأنها تأخرت جدا فى استخدام القوة الشعبية ضد أردوغان.
وأضاف فى تصريح "لليوم السابع، أن احتشاد شنق قلعة جميل لأنه يظهر أن الشعب التركى ليس كلهم مؤيد لأردوغان، معتبرا أنه لن تأتى بجديد، قائلا إن الكل يتساءل هل أتت نهاية أردوغان، وقال أن المعارضة التركية تتكون من القاعدة الشعبية العريضة ومن رؤساء أحزاب، لافتا إلى أن القاعدة الشعبية لها حضور قوى لإطاحة أردوغان، أما رؤساء الأحزاب لا يجيدون إدارة المواقف.
وأكد إنجى، أن تركيا تعيش أسوأ فترة في تاريخ أحزاب معارضة، مشيرا إلى أن النظام التركى استثمر فضائح الفساد ودعم تنظيم داعش الارهابى لصالحه، ووصل إلى جميع أهدافه، وقال أن الحل الوحيد هو حملة اعلامية هادئة لتوضيح صورة الظلم والفساد والارهاب للشعب التركى، كى يترجع مؤيدو أردوغان عن دعمه، لأن أى طريق آخر أردوغان يستغله ويقوى أكثر.
أردوغان يخطط مؤامرات جديد بجهاز المخابرات
وعلق على فرض أردوغان قبضته على المخابرات قائلا، أن تبعية المخابرات لأردوغان طبيعية إلى حد ما، وكشف عن مؤامرات تخططها المخابرات بأمر من أردوغان مثل مسرحية الانقلاب الجديد أو تخطط لإحداث أى بلبلة فى البلد للقتل الجماعى للمعتقلين المتهمين بالانقلاب من حركة الخدمة المعارضة فى سجون تركيا.
واختتم المعارض التركى تصرحياته، بالإعراب عن أمله فى أن يستخدم أردوغان صلاحياته فى إطار القانون والدستور لمصلحة الوطن والمواطن وليس للمؤامرة ضد الشعب من اغتيالات إلى تخطيط انقلابات المزيفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة