لقد ظهرت عدة مفاهيم جوهرية فى استراتيجية الرئيس الأسبق جورج بوش الدفاعية تتمثل فى أحادية العمل الأمريكى، ودول محور الشر، والمارقة، والدول الفاشلة، والضربة الاستباقية، وإعطاء الأولوية للأيديولوجيا على حساب المؤسسية والحرب على الإرهاب، هذا هو المفهوم الذى رصدته الباحثه مروة محمد عبدالحميد عبدالمجيد فى دراستها التى حملت عنوانا إلى «التغير والاستمرار فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر»، وبدأت الدراسة بتقسيم تلك المفاهيم، وهى: أولا: دول محور الشر والدول المارقة، دول محور الشر هى تلك الدول التى تتساهل مع المنظمات الإرهابية أو تؤويها وتساعدها، وهم الذين يمتلكون أسلحة الدمار الشامل أو قادرون على تصنيعها أو التزود بها وترفض التعامل مع العالم الخارجى وتمثل تهديدا للنظام العالمى، ونجد فى هذا التعريف الذى وضعته إدارة بوش بأنه لا يستند إلى معايير ثابتة ويعطى الحق للولايات المتحدة أن تضع قائمة بهذه الدول وتخرج أو تدمج أى دولة فى هذه القائمة، وفقا ما تمليه عليها الظروف السياسية، وقد انحصرت هذه الدول فى وثيقة 2002 فى العراق وكوريا الشمالية وإيران، ونجد أن العراق قد خرجت من هذه القائمة فور قيام الولايات المتحدة بالتخلص من النظام العراقى، وبقيت إيران وكوريا الشمالية باعتبار الأولى مساندة لحزب الله والثانية معارضة لسياساتها ثم توسعت فى استراتيجية 2006 لتضم سوريا وكوريا الشمالية وروسيا البيضاء وكوبا وبورما وزيمبابوى.
أما الدول المارقة وهو مفهوم شاع كثيرا فى فترة إدارة الرئيس بوش الابن للإشارة إلى بعض الدول التى لا يتفق سلوكها مع المعايير الدولية خاصة فى سنوات الثمانينيات، حيث أطلقه الرئيس ريجان فى 1986 عند حديثه عن ليبيا وفى إدارة كلينتون ورد الحديث عن الدول المثيرة للقلق، وأصبح المفهوم فى إدارة بوش الابن محور الشر وهى الدول التى تشكل خطرا على الأمن الدولى، وتهدد المصالح القومية الأمريكية ومصالح حلفائها الغربيين، وقد حددت وثيقة استراتيجية الأمن القومى/ 2002 الصفات التى تشترك فيها الدول المارقة وهى تتعامل مع شعوبها بوحشية وتستغل مواردها الوطنية من أجل تحقيق مكاسب شخصية للحكام. ولا تضع اعتبارا للقانون الدولى، وتهدد جيرانها وتنتهك المعاهدات الدولية التى هى طرف فيها، وتحتضن الإرهاب وترفض القيم الإنسانية الأساسية وتبغض الولايات المتحدة وتسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة لتستعملها فى التهديد أو الهجوم لتحقيق مخططاتها العدوانية، فقد سهل التطور العلمى والتكنولوجى وتبادل التقنيات استحواذ الدول المارقة والإرهابيون على هذه الأسلحة لاستعمالها من أجل الترهيب والعدوان العسكرى وكوسيلة لابتزاز الولايات المتحدة، واستخدمت هذه الذريعة لاحتلال العراق فى 2003.
ثانيا: الحرب على الإرهاب أصبح هذا المفهوم وفقا للأدبيات الاستراتيجية الأمريكية العدو الاستراتيجى الأول للولايات المتحدة، بديلا للاتحاد السوفيتى، فنجد أنه بعد انتهاء الحرب الباردة كان عدو الولايات المتحدة هو دائرة الحضارة الإسلامية، فنجد أن جميع الدول التى تستهدفها الولايات المتحدة هى دول إسلامية باستثناء كوريا الشمالية، مما جعلها تشن حربا مفتوحة ضد العالم الإسلامى، وقد وضعت الاستراتيجية الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهاب كعدو رئيسى لها، وأن الولايات المتحدة فى حالة حرب ضد هذا العدو، لكنها لم تعط تعريفا محددا لهذا العدو يضعه فى السياق المناسب، فأين هو هذا العدو؟ وممن تتكون الشبكات الإرهابية الواجب محاربتها؟ فنجد أن إدارة الرئيس أوباما حصرت الإرهاب فى تنظيم القاعدة.
ثالثا: الدول الفاشلة تلك الدول التى اعتبرتها الولايات المتحدة مصدرا خصبا للإرهاب، فالفقر والفساد والمؤسسات الضعيفة تسمح بقيام شبكات إرهابية التى تشكل تهديدا لأمن الولايات المتحدة والعالم، ومن هنا أصبح مصطلح الدولة الفاشلة الذى طورته المؤسسات الأمريكية مرجعية نظرية رئيسية لكيفية التعاطى مع دول الجنوب وأصبحت هذه الدول وما تحتويه من مشاكل سياسية واقتصادية تمثل خطرا كبيرا للأمن القومى الأمريكى، كما أوضحت وثيقة 2002 أهم الآليات والأدوات اللازمة لمواجهة هذه الدول، ولكنها كانت تتسم بالعنف والصرامة، فكانت هذه الأدوات تؤكد على آلية الاستباق فى المقام الأول ثم الاعتماد على المساعدات والدعم السياسى والاقتصادى للضعط على هذه الدول لتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية وجعلها تخضع للحكم الأمريكى ومحاسبتها بحكمة، ونجد أن آلية المساعدات والدعم هذه ليست بالجديدة، وقد تم الاعتماد عليها سابقا من أجل عدم السماح لنمو المد الشيوعى فى الدول التى تساعدها وتدعمها الولايات المتحدة، وبعد أحداث سبتمبر جرى الحديث عن تحسين الظروف فى بعض الدول حتى لا تتحول إلى دول حاضنة للإرهاب، ولقد أدخلت الولايات المتحدة فى قاموسها الاستراتيجى بعد سبتمبر مفهوم الحرب الاستباقية والوقائية التى حلت مكان استراتيجية الردع التى كانت سائدة أثناء الحرب الباردة، خاصة وأن هذه الأخيرة لم تعد تتناسب مع الأخطار الجديدة التى تواجه الولايات المتحدة والتى نظر إليها على اعتبارها تحتاج إلى استراتيجية الضربة الوقائية والاستباقية التى تتعامل مع التهديد وتحبطه قبل تحققه، وهذا المفهوم سوف يتم التحدث عنه باستفاضة فى المبحث الثانى.
رابعا: أحادية العمل الأمريكى نجد أن السياسة الأحادية هى ليست شيئا جديدا فى الاستراتيجية الأمريكية، فهى ترجع بجذورها إلى تأسيس هذه الدولة، فمنذ قيام أمريكا الجمهورية امتنع المؤسسون عن دخول تحالفات، يمكن أن تضر بالبلد، فنجد أن الظروف الدولية فى حقبة الحرب الباردة وظهور الاتحاد السوفيتى كمنافس للولايات المتحدة حتم عليها بأن تعود إلى التعددية القطبية والاعتماد المتبادل والتحالف مع الدول الأخرى لمواجهة الخطر الشيوعى، فعندما زال الخطر السوفيتى ولم يظهر مكانه بديل يمكنه منافسة الولايات المتحدة الأمريكية وإرغامها على الاعتراف به، فإن أصبح الباب مفتوحا أمام هذه القوة العظمى للعودة لسياستها القديمة فى تبنى التوجه الأحادى، ولقد أتاحت هجمات 11 سبتمبر لبوش التمادى فى استراتيجية التدخل الأمريكى الأحادى الجانب، فقد صرح بوش بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تؤمن بقيمة الحلفاء، وتؤمن أنها بإمكانها إنجاز أى مهمة عبر العمل الانفرادى دون الحاجة حتى لأقرب حلفاء الولايات المتحدة، وغدًا إن شاء الله نتواصل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة