لا أعرف على وجه التحديد متى اختفت كلمة «أسطى» التى كنا نطلقها على العمال وأصحاب الحرف اليدوية والصناع، لكنى أتذكر جيدا وقت أن كانت هذه الكلمة على درجة كبيرة من الانتشار، بل أتذكر أيضا وقت أن كانت تلك الكلمة سببا فى فخر أصحابها فيحدثك شخص على صانع أو حرفى فيقول إن فلانا هذا «أسطى» أى صانع ماهر، ورأيت أيضا وقتما حسب البعض أن هذه الكلمة سبة فيرد عليك أحدهم إذا ناديته بكلمة «أسطى» إذاى أسطى دى؟
بالنسبة لى فإن غياب كلمة أسطى يمثل أحد أوجه النفاق الاجتماعى الباهت، فلا يجوز أن نقول مثلا الآن لأحد الأسطوات «يا باش مهندس» لأن فى هذه الكلمة تحقير للعمل اليدوى واعتراف أنه عمل غير جدير بالاحترام، كما أن فى هذا الأمر ظلما للـ«باش مهندس» الأصلى لأنه يرى لقبه الذى تعب من أجله وسهر ودرس وعمل يوزع مجانا لمجرد رغبة البعض فى نفاق البعض.
الملفت هنا أن مع اختفاء كلمة أسطى وعدم يقين الناس باستحقاق الصناع والعمال كلمة «باش مهندس» أصبح الجميع ينادى الحرفيين و«الأسطوات» بأسمائهم المجردة، فالأسطى محمود السباك أصبح «محمود السباك» والأسطى عبده النجار أصبح «عبده النجار» وحينما بدأنا فى التعامل مع هذه الفئة الغالية بدون ألقاب أصبح المنتمون لهذه الفئة مطالبين باحترام زبائنهم دون أن يحترمهم زبائنهم، وشيئا فشيئا اختفى الاحترام بين الناس، بعد أن وجد العامل نفسه مطالبا بتقديم لقب من يعمل لديه مؤقتا فيقول «أستاذ فلان» فى حين أن «أستاذ فلان» لا يبجله ولا يقدمه بلقب يليق به، وهو ما قد يسبب له غصة فى كل مرة ينادى فيها صاحب العمل، ويوما بعد يوم، اختفت الألقاب، وأصبح «عدم الاحترام» سمة عامة، من هنا يتحدم علينا إعادة الأشياء إلى أصولها، وذلك فى سبيل وإعادة الاحترام كسمة عامة بين الناس، كما يجب إعادة الاعتبار لكمة «أسطى» مرة أخرى فنقول للأسطى أسطى، ونقول للأستاذ أستاذ وللمهندس مهندس، دون نفاق باهت أو تزلف فى غير محله.