إيطاليا وروسيا كانتا من الدول التى أيدت وباركت ثورة 30 يونيو 2013، بينما كانت بريطانيا متحفظة بعض الشىء، لعدة أسباب من بينها أنها الحاضن الرئيسى للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية، وهو ما جعلها تتعامل بحساسية مع ثورة المصريين على نظام المرشد، وأن حاولت أن تتعامل بعد ذلك مع الثورة بحذر شديد، ثم انفتاح مشوب بالحذر أيضاً.
مع مرور الأيام والأسابيع بدأت أطراف إقليمية ودولية تتحرك لإفساد العلاقة القائمة بين القاهرة من جانب وموسكو وروما من جانب آخر، خاصة بعدما ظهر التوافق شبه التام بينهم حول عدد من الملفات الإقليمية، مثل الوضع فى ليبيا على سبيل المثال، وهو ما أزعج دولاً أرادت أن يأخذ الملف الليبيى مساراً مختلفاً عن المسار الذى تريده مصر، علماً بأن القاهرة تعلى من مصالح الليبيين، ولا تتحرك فى الملف الليبيى بناء على مصلحة خاصة ضيقة، وهو ما وفر لها احتراما لدى كل مكونات المجتمع الليبيى، إلا الميليشيات المسلحة الممولة من قطر وتركيا، لأنها تتحرك بناء على مسار مرسوم لها.
أما بريطانيا فلها وضع خاص، فرغم أنها صاحبة النصيب الأوفر من الاستثمارات الأجنبية فى مصر، إلا أن مواقفها تجاه مصر دائما ملتبسة، وهو ما ظهر فى تسرعها نحو الإعلان عن سحب رعاياها من الأماكن السياحية عقب حادث الطائرة الروسية فى سيناء، وإصدارها قرار بتعليق رحلاتها إلى مصر، وهو ما كان بمثابة الضربة القوية للسياحة المصرية، خاصة أن القرار البريطانى كان دافعاً لدول أخرى أن تسلك نفس المسلك، ومن بينها روسيا التى وجدت نفسها مضطرة لقرار ربما كانت الأكثر إدراكا أن حيثياته غير متوفرة، لكن لندن أحرجت الجميع بمن فيهم موسكو.
سقوط الطائرة الروسية كانت المبرر الذى استندت له بريطانيا، ومن بعدها روسيا لتعليق رحلاتهم إلى مصر، وبالتالى حرمان السياحة المصرية من آلاف السياح ممن كانوا يفضلون قضاء عطلاتهم السنوية على السواحل المصرية، وفى خضم الحديث المتواصل بين القاهرة ولندن وموسكو للوصول إلى حل، جاءت واقعة مقتل الباحث الإيطالى ريجينى لتؤدى إلى توتر فى العلاقات المصرية الإيطالية استتبعه قرار روما بسحب سفيرهم بالقاهرة، وما تبعه من تداعيات أثرت بطبيعة الحال على الحوار السياسى والدبلوماسى بين القاهرة وروما حول عدد من الملفات الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
ورغم أن مصر كانت واضحة فى خطابها السياسى مع الدول الثلاث، بأنها لا تتستر على جريمة، وأنها لا تمانع فى أن تتشارك مع الدول الثلاثة فى التحقيقات التى تجرى سواء فى حادث الطائرة أو العثور على جثة الباحث ريجينى، مع المطالبة العادلة بعدم تحميل الحادثين بأكبر مما يحتملا، لكن سارت البلدان الثلاثة فى اتجاه مخالف لما يقتضيه الواقع، ورغم الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية التى مورست ضد القاهرة لكن ظل الموقف المصرى ثابتاً، لأن الحقائق كانت أقوى من كل هذه الضغوط.
أمام الموقف المصرى القوى، لم تجد إيطاليا بديلاً لعودة سفيرها للقاهرة مرة أخرى بعد عام من استدعائها فى أعقاب حادث ريجينى، وأبلغ وزير خارجية إيطاليا أنجيلينو ألفانو، نظيره المصرى سامح شكرى قرار الحكومة الإيطالية التقدم لدى الحكومة المصرية بطلب الموافقة على تعيين سفير إيطاليا الجديد لدى مصر «جيامباولو كانتيني»، وتطلعه إلى موافقة الحكومة المصرية على تعيين السفير الإيطالى الجديد فى أقرب فرصة، وهو ما ردت عليه القاهرة باعتزامها التقدم بطلب الموافقة على ترشيح السفير المصرى الجديد لدى روما «هشام بدر» بشكل متزامن، ليغلق البلدان صفحة سوداء فى علاقات البلدين.
على غرار الموقف الإيطالى، توقع كثيرون أن تعود روسيا وبريطانيا لمنطق الحق، خاصة أننا سمعنا ومازلنا نسمع تصريحات من مسؤولى البلدين يؤكدان خلالها أن الوضع فى مصر مهيأ لعودة حركة الطيران والسياحة مرة أخرى إلى مصر، ومن هؤلاء التصريح الأخير الذى قاله إليستر بيرت، وزير الدولة البريطانى لشؤون الشرق الأوسط الذى زار القاهرة الخميس الماضى للمرة الأولى منذ توليه منصبه الجديد، الذى أيد خلاله استئناف حركة الطيران البريطانى المباشر إلى شرم الشيخ، خاصة أنه وفقاً للأرقام فإن السياحة البريطانية إلى مصر ارتفعت هذا بزيادة تُقدر بـ60٪ عن العام الماضى، رغم توقف حركة الطيران، وهو ما يؤكد أن البريطانيين لديهم شعور بالأمان، ولديهم إصرار على اختيار مصر كوجهة سياحية مهما كانت التحذيرات الحكومية.
روسيا أيضاً لديها تصريحات مماثلة، مثل الصادر عن وزير الخارجية سيرجى لافروف الأسبوع الماضى الذى أكد خلاله وجود تقدم بشأن مسألة استئناف الرحلات مع مصر، خاصة مع إدراك موسكو أهمية استمرار التعاون مع القاهرة فى مجال أمن الملاحة الجوية، بما فى ذلك إتمام التوقيع على البروتوكولات اللازمة فى هذا المجال، وقال لافروف نصا: «نحن نبحث مسألة استئناف الرحلات المباشرة بين البلدين بشكل مستمر، واليوم أشرنا إلى وجود تقدم فى عمل الخبراء، الذين يحلون القضايا، وننطلق من أنه قريبا سيكون هناك وضوحا حيال آفاق استئناف الرحلات المباشرة».
ورغم التصريحات المتفائلة التى سمعناها من المسؤولين البريطانيين والروس، لكن لا يزال موقف البلدين غامض، فمع إدراكهم للجهود التى قامت بها مصر فى ملف أمن المطارات، وهو ما شهد به الجميع، لكن لا نزال ندور فى دائرة مغلقة، عبارة عن تصريحات متفائلة من موسكو ولندن، دون أن نجد خطوة ملموسة على الأرض، على عكس ما قامت به ايطاليا حينما قررت إعادة سفيرها للقاهرة، وهو ما يستدعى مراجعة نقوم بها نحن فى مصر، لنقف على الحقيقة والآلية التى يمكن من خلالها التعامل مع البلدان حال أستمرا فى منهجهما ضد مصر فى ملف عودة السياحة مرة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة