مع كل قضية رشوة أو فساد يقع فيها مسؤولون كبار نكتشف أن عشرات القضايا السابقة لفاسدين ومرتشين لا تمثل ردعا، ويتكرر المرتشون، وفى نفس الوقت فإن المال العام يبدو أن فيه دائما ما يغرى بالسرقة، بسبب الأبواب المفتوحة والثغرات.
القصة تتكرر مع القبض على نائبة محافظ الإسكندرية بتهمة الرشوة، لتمرير مخالفات، وهو أمر معروف فى الإسكندرية، والدليل عشرات آلاف المبانى المخالفة التى تخرج لسانها للناس وتعلن لهم أن الرشوة لا تتوقف والفساد مستمر.
اللافت للنظر أن هناك تسجيلات للمتهمة بالرشوة، وهى تتحدث عن النزاهة والنقاء الوظيفى وأهمية أن يواجه المسؤول الفساد بكل سرور، ولو راجعنا أقوال المرتشين لوجدناهم الأكثر حديثا عن النزاهة ومهاجمة للفساد والرشوة، وفى الواقع هناك فرق بين النظريات ضد الفساد والسعى للارتشاء. ويبقى السؤال: لماذا لا يخاف المرتشى وهو يرى زملاء له يسقطون فى أيدى أجهزة الرقابة والبوليس والأموال العامة.
وخلال شهور من بداية العام كانت هناك قضايا سقط فيها مرتشون كبار، مثل مستشار وزير المالية السابق للضرائب العقارية الذى سقط متلبسا بمليون جنيه مقدم رشوة من أصل 4 ملايين جنيه، لتمرير فساد صاحب شركة مقاولات بما يضيع على الدولة 500 مليون جنيه، فكل جنيه رشوة يضيع ألف جنيه على الشعب.
تكرار القبض على فاسدين لا يمثل رادعا، ربما لا يتابع الفاسدون أنباء الفساد، أو أنهم يستهينون بالقانون، القضايا تنتهى بعقوبات سنوات سجن لا تقارن بملايين المال السهل، يضاف على ذلك أن هناك دائما ثغرات وأبوابا مواربة، يدخل منها الفساد، وهى أبواب بحاجة إلى أقفال.
هناك رشوة يدفعها الفاسدون ليحصلوا على ما ليس من حقهم، أو لسرقة أموال الدولة، وهناك رشوة يدفعها المواطن ليحصل على حقه، عندما يكون المواطن فيها ملتزما بالقانون، ويتم تعطيل أموره حتى يدفع، والمرتشى فى كل الحالات كسبان.
لسنا دولة غنية والفساد يلتهم أغلب الموازنة، وهناك ضرورة لتغيير القوانين بالشكل الذى يسهل الإجراءات وفى نفس الوقت يبعد القرار عن الأفراد التى تجعل هناك قابلية للفساد، فهو موجود فى كل العالم لكنه ليس بهذه الكثافة.
كأن المال العام لدينا فيه جاذبية، تجعل الفاسد يقع فى هواه، وإذا كان المثل يقول «المال السايب يعلم السرقة»، هناك ضرورات لإعادة بناء النظام الإدارى، لإغلاق الثغرات التى ينفذ منها الفساد.
هناك تقديرات عامة غير رسمية أن حجم ما يلتهمه الفساد، يمثل ما بين ربع أو ثلث الموازنة، والدليل حجم قضايا الفساد فى التموين والمحليات التى تم ضبطها التى تمثل على أقصى تقدير ربع ما يتم فعلا. وفى القضية المتهم فيها نائبة محافظ الإسكندرية، نموذج لعشرات وربما مئات المسؤولين يسمحون بتحويل الإسكندرية إلى «ثغر للفساد». قد تكون هناك حاجة لقانون يسأل عن مصدر الثراء غير المشروع للموظف العام، والأهم هو إغلاق الأبواب التى يأتى منها الريح والفساد، ويمتص المال العام ببطء وبكل اطمئنان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة