من بين أكثر العناصر اللافتة فى قضية الرشوة، المتهم فيها نائبة محافظ الإسكندرية السابقة، أنه بجانب ملايين الرشوة والذهب وغيرها هناك تذاكر حج، حصلت أو كانت سوف تحصل عليها نائبة المحافظ، وهو أمر يثير دهشة البعض: كيف يكون المرتشى حريصا على أداء فريضة الحج؟ وهل يجوز الحج بمال غير مشروع؟ وكيف يكون شعور النائبة وهى ذاهبة للحج بمال الرشوة؟
ومن تابعوا الكثير من قضايا الفساد طوال العقود الماضية، سوف يجدوا مجالا لهذه الازدواجية، التى يجتمع فيها الفساد مع الحرص على أداء المناسك والسنن، كيف يمكن لمرتشى أن يكون حريصا على أداء العمرة والحج من مال غير مشروع، خاصة أن فريضة الحج هى «لمن استطاع إليه سبيلا»، ولا يمكن بالعقل والمنطق اعتبار السبيل والاستطاعة منها الرشوة.
رشوة حج، وردت فى القضية المتهم فيها وزير الزراعة السابق، التى حكم عليه فيها بالسجن، فقد شملت الرشاوى مع الأموال والملابس، رحلات حج للمرتشى وعائلته، وهى رشوة خمس نجوم، لأنها تتضمن حجا سياحيا.
ومن تابعوا قضية الفساد الشهيرة للمحافظ الراحل، الذى كان بطلا لواحدة من أكبر قضايا الفساد، كان الرجل يطلب الرشوة علنا، وردت فى أقواله: «أنا مخنوق ومحتاج أعمل عمرة»، وحصل صاحبنا على العمرة ليخرج من حالة «الانضغاط النفسى».
أن يحصل الفاسد على رشوة رحلة حج أو عمرة، هو أمر لا يبتعد كثيرا عن حالة تنتشر بين الفاسدين، ممن لا يجدون تناقضا بين تأدية الفرائض والحرص عليها من جهة، والاتجار فى السوق السوداء، أو الاحتكار أو تجارة العملة، حتى لو كانت من عوامل ضرب الاقتصاد والتأثير على الأسعار، ونعرف عددا كبيرا من رواد تجارة العملة كانوا يبررون عملهم بأنه يدخل ضمن التجارة، حتى لو كانوا يعرفون أنه ضرب للاقتصاد.
وبالطبع، فإن حصول نائبة المحافظ على رشوة حج وعمرة، لفساد لا يختلف عن فساد الراشين، ممن يمثلون الطرف الثانى لعمليات الفساد والبناء المخالف، والاعتداء على الشوارع وأراضى الدولة، وهؤلاء يمارسون الفساد بنفس الازدواجية.
وترسم المخالفات والعشوائيات والمبانى المخالفة للشروط والخارجة على القانون خرائط الفساد والرشوة والتلاعب، وبعيدا عن الفساد المزدوج، هناك أهمية للبحث عن طريقة لوقف الفساد الذى يمثل عالما موازيا يتحدى القانون.
وبعد القبض على المرتشية والراشين، ما هو موقف المبانى التى كانت موضوعا للرشاوى؟ وهل تستمر المخالفات ليفوز الراشى بالفساد؟ فالحساب على الحج والعمرة من مال الرشوة فى الآخرة، لكن القانون يرتب عقاب المرتشين، ووقف المخالفات وإعادة حق المجتمع، لأن من يقبل رشوة ليحج لا يمكن الرهان على ضميره.