فى المقال الخامس من سلسلة مقالات كشف حقيقة منظمات حقوق الإنسان ونشطاء السبوبة، نطرح اليوم سؤالًا مهمًا وجوهريًا، مفاده: ما سر موجة الغضب الشديدة التى اجتاحت صدور أصحاب دكاكين وأكشاك حقوق الإنسان ونشطاء السبوبة وأدعياء الثورية من مشروع تطوير العشوائيات ونقل الأهالى من الإقامة مع «الموتى» إلى الإقامة مع الأحياء بشكل آدمى، مثلما حدث مع سكان الدويقة، الذين تم نقلهم لحى الأسمرات، وأيضًا مثلما حدث فى «غيط العنب» بالإسكندرية؟!
انزعاج النشطاء والحقوقيين وأدعياء الثورية فاق كل تصور، لدرجة أن شخصًا من عينة ممدوح بك حمزة، صاحب المكتب الاستشارى الهندسى الذى كون ثروات طائلة فى عهد مبارك، أجزم وبمنتهى الأريحية، وقدرات ذهنية فائقة، بأن مشروع تطوير الدويقة ونقل سكانها لحى الأسمرات يصب فى خانة المشروع الصهيونى الأمريكى، إسرائيل الكبرى من النيل للفرات.
تطوير الدويقة، وقولًا واحدًا على لسان المورد الأعظم للملابس الداخلية لأدعياء الثورية فى ميدان التحرير، وصديقه «الأنتيخ» حاليًا، دواسة «تويتر» وأشهر بائع تويتات لمن يدفع، وحامل شنط موزة الآن، أجزم أن تطوير العشوائيات يخدم فى المقام الأول والأخير تل أبيب!
والحقيقة أن العشوائيات تمثل أبشع أنواع التجارة الرخيصة والحقيرة، حيث يستثمرها النشطاء والحقوقيون ونحانيح الثورة لتشويه مصر، والمتاجرة بسمعة وكرامة وكبرياء المصريين، وتعرية فقرهم وآلامهم، لتحقيق الحسنيين، الأول الحصول على أموال طائلة فى شكل تمويلات تحت شعار إنقاذ الفقراء والغلابة المهمشين، ثم غرز خنجر مسموم فى ظهر الدولة سياسيًا، وإظهارها أمام المجتمع الدولى بأنها لا تراعى حقوق الغلابة والمهمشين.
وهناك مثال صارخ على التوظيف السياسى المقيت للعشوائيات، عندما وجدنا الدكتور محمد البرادعى، وبمجرد وصوله مصر قبل 25 يناير 2011، باعتباره الفاتح المبين، ومنقذ البشرية، ما أن وطئت أقدامه أرض الكنانة، إلا وفوجئنا بدراويشه ومريديه يضعون له برنامج تتويجه على «عرش» مصر من «إسطبل عنتر» بمنطقة مصر القديمة، أكثر المناطق عشوائية، ورمز الفقر، والبؤس الإنسانى.
البرادعى كان يهدف من زيارته لهذه المنطقة إلى الترويج لصورة مصر البائسة، الموجوعة، الغارقة فى بحور الفقر والمرض، لتتصدر الزيارة الصفحات الأولى من الصحف العربية والدولية، التى اهتمت بوصوله لمصر حينذاك، ورسالة بأنه قادم لانتشال مصر من هذا المستنقع.
وبعد تلك الزيارة الشهيرة، تفرغ الدكتور محمد البرادعى فقط فى وضع خطط التأجيج، وإثارة الفوضى وعدم الاستقرار، دون أن يلتفت لهؤلاء الذين زادوا فقرًا وبؤسًا فى العشوائيات بسبب الثورة غير الممنونة، ولم يكونوا يومًا رقمًا حقيقيًا أو هامشيًا فى أجندة اهتماماته وألوياته، وإنما هى صورة للاستثمار والمتاجرة بها فى المحافل الدولية لتشويه بلاده، والهجوم على مبارك ونظامه.
لكن الأمر الأهم والأبرز هو قيام أصحاب دكاكين حقوق الإنسان ونشطاء السبوبة بالاستثمار والتجارة بسكان العشوائيات، ونجحوا بالفعل فى تحويل هذه العشوائيات إلى دجاجة تبيض ذهبًا لهم، و«حنفية» تمويلات ضخمة، بحجة أنهم يطورون ويساعدون سكان هذه المناطق.
توظيف آلام هؤلاء الذين يطحن الفقر عظامهم لأهداف سياسية وللتربح، للحصول على ملايين الدولارات واليورو، من خلال تصدير صورة عن أن الشعب المصرى يقطن القبور وينام بين جثث الموتى، ويأكلون من صناديق الزبالة، قد نجحت بشكل كبير للغاية فى تشويه نظام مبارك خارجيًا.
كما نجحوا أيضًا فى استثمارها داخليًا، لابتزاز مشاعر المصريين وإثارة غضبهم ضد النظام والحكومة، وكانت النتيجة اندلاع ثورة 25 يناير، بوعى زائف مائة فى المائة.
العشوائيات كانت خنجرًا مسمومًا وأجندة مشوهة لوجه مصر الحضارى، ورسم صورة غير حقيقية، تصور أن المصريين الأحياء يقطنون القبور ويحتضنون الموتى، كما يرافقون القطط والكلاب الضالة والقوارض فى السعى والبحث عن طعام يسد جوعهم فى صناديق ومقالب الزبالة!
وهى أيضًا، الصورة التى رسمها شواذ النخب من فنانين وإعلاميين وبعض القنوات الفضائية، من التى أظهرت أنها تعمل على الجوانب الإنسانية والاجتماعية، ومساعدة الفقراء بمنحهم غسالة أو تليفزيون أبيض وأسود أو خلاط، أو علاج حالة مرضية.. شواذ السينما أخذونا لمنحى أن سكان هذه المناطق بجانب بؤسهم وفقرهم وإقامتهم فى القبور، فإنهم يرتكبون كل الموبقات، من زنا محارم، إلى ممارسة الشذوذ، وتعاطى المخدرات.
كل هذه المشاهد كانت حاضرة فى ذهن كل الحقوقيين، ونشطاء السبوبة، ونخب العار، ولكن ليس لوضع برامج تنتشلهم من البؤس والفقر، ولكن للمتاجرة بهم، والحصول على مكتسبات مادية، ومعنوية ضخمة، لذلك كان هجومهم بالتسفيه والتسخيف، ومحاولة لقلب الحقائق فى مشروع الدولة بالقضاء على العشوائيات، وانتشال هؤلاء من مستنقعات البؤس والفقر، بتوفير مساكن آدمية، فكان باكورة المشروع «حى الأسمرات»، وشاهدنا النقلة الإنسانية والحضارية الكبيرة على يد رجال صدقوا ما وعدوا به، فكانت الأفعال المخلصة والمجردة أعلى صوتًا من الأقوال وتجارة الشعارات.
الدولة رصدت 14 مليارًا لتنفيذ خطة التطوير، وأن تدبير هذه المليارات من موارد، بعيدًا عن الموازنة العامة، قوامها مساهمات وتبرعات مصريين شرفاء ووطنيين، يشعرون بآلام بنى وطنهم.
ووسط كل هذا لم نسمع ناشطًا أو حقوقيًا تبرع بمليم واحد، ولم يصنع خيرًا بأن يصمت، ولكن تبنى حملات تشويه وتسخيف وسفالة وانحطاط لا مثيل لها فى أى مكان على سطح هذا الكوكب، ولم نسمع واحدًا من هؤلاء يتحدث عن التهجير «القسرى» للمواطنين من مقابر «الموت» إلى مساكن «الحياة»، وإنما شنوا حملات ضارية ضد المشروع، زعمًا بأنهم ضد التهجير، ولكن الحقيقة أن العشوائيات تمثل دجاجة تبيض ذهبًا لهؤلاء الحقوقيين الذين لديهم الاستعداد للاتجار بكل شىء، بما فيها الشرف والانتماء والعزة والكبرياء!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة