أما أن نجيب محفوظ يستحق جائزة نوبل فى الأدب عن جدارة، فهو أمر لا يحتمل النقاش، فهو صاحب أهم مشروع روائى عربى، فضلا عن كون أعماله كانت الأكثر قراءة، وتأثيرا لأنها تحولت إلى أعمال سينمائية حققت أغلبها نجاحا جماهيريا، وأسهم فوز محفوظ بنوبل، فى تعريف العالم بالأدب العربى، مثلما أسهم فوز جابرييل جارسيا ماركيز بنوبل قبل نجيب محفوظ بـ6 سنوات فى انتشار أكبر لأدب أمريكا اللاتينية والواقعية السحرية.
وبعد 11 عاما على رحيله، يظل نجيب محفوظ قادرا على إثارة الدهشة، وصاحب تأثير قوى، يتضاعف بمرور الزمن، ككل أدب حقيقى، ولم يكن محفوظ مهتما بالجائزة، من الأساس. وكان تعامله مع الجائزة، متطابقا مع طبيعته، فقد أعلن فى سيرته الأوفى التى أدلى بها للكاتب الكبير رجاء النقاش، أنه لم يكن يفكر فى الجائزة، وكان يرى أن هناك نوعا من «عقدة الخواجة» تتحكم فى العرب ونظرتهم لأنفسهم.
وعندما فاز واتصل به محمد باشا وسلامة أحمد سلامة من الأهرام ليبلغاه بأنه فاز بنوبل، تصور أن الأمر «مقلب»، وعندما أبلغته زوجته أنه فاز بالجائزة تصور أها تمزح معه. ودخل لينام قيلولته حتى أيقظته زوجته وخرج بملابس النوم ليجد فى صالة منزله سفير السويد وزوجته يبلغاه بأنه فاز بالجائزة، وبعد أن تلقى الخبر ذهب لموعد سهرته الأسبوعية مع «الحرافيش» فى منزل المخرج توفيق صالح.
وبالرغم من حالة الفرح لدى الجمهور العادى وأغلبية المثقفين بفوز نجيب محفوظ بنوبل، اختلفت ردود الأفعال لدى بعض الكتاب الكبار ممن كان بعضهم ينتظر الجائزة، أو يتصور نفسه أحق بها. وعلى رأسهم الدكتور يوسف إدريس، وتوفيق الحكيم وكانا قد تمت تزكيتهما للجائزة. ومن الأدباء العرب كان أدونيس، لكن الدكتور يوسف إدريس أعلن أنه الأحق بالجائزة، ثم بعدها أدلى بأحاديث صحفية قال فيها: إن نجيب محفوظ حصل على الجائزة العالمية بفضل الصهيونية العالمية. وبجانب إدريس كان هناك أدباء مغمورون أو نصف معروفين كرروا هذا الكلام، متجاهلين أن نجيب محفوظ كان صاحب المشروع الروائى الأكمل الذى يقدم تاريخا اجتماعيا لمصر طوال ثلاثة أرباع القرن العشرين.
تعامل نجيب محفوظ مع من هاجموه بطريقة فيها من السخرية والتواضع الكثير، وقال إنه لم يحدث أن فاز أديب أيا كان شأنه بنوبل، إلا وخرج من يرى أن هناك من هو أحق منه. ومن خلال متابعتى لتاريخ الجائزة لاحظت أن الأصوات المعارضة موجودة فى كل مكان وزمان.
ويقول» لم أتأثر كثيرا بالأصوات التى بدأت تهاجمنى وتهاجم الجائزة وتحاول التقليل من قيمة هذا الانتصار الأدبى والقومى، وكانوا كمن يحاول تكسير المصابيح لإسكات مظاهر الفرح، بل إنه كان حريصا على المقارنة بين موقف الجمهور ومواقف المثقفين أبناء الكار ويقول: كنت عندما أسير فى الطريق يستوقفوننى ويأخذونى بالأحضان، وأسمع منهم كلمات تلقائية بسيطة مليئة بالحب والتقدير. ومن أغرب ما صادفت المعاملة التى لقيتها من سائقى التاكسى كانوا يتسابقون على توصيلى ويرفضون تقاضى أجر، وإذا ما وجدنى أحدهم مصرا على الدفع، يقسم بطلاق زوجته ألا يتقاضى منى شيئا.. فأسكت وأنزل من التاكسى وأنا أشعر بحرج شديد».
وكان محفوظ بالرغم من تواضعه، قادرا على غمز خصومه والسخرية منهم، ومن «عقدهم النفسية» التى عانى منها كثيرا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة