إذا أردت أن تعرف كم تغير العالم وكيف تتنوع اهتمامات الناس فى زمن الإنترنت عليك أن تراقب فقط نوعية الأخبار والنجوم الذين يحتلون صدراة الاهتمام والتركيز والتعليق.
فى التسعينيات من القرن العشرين كانت مقولة «العالم قرية صغيرة» تتردد كثيرا على ألسنة المعلقين تعبيرا على سقوط الحواجز بين الدول والبشر، اليوم تجاوز الأمر موضوع القرية الصغيرة، وأصبح حارة أو شقة يظن فسها الكل أنه يرى الآخرين.
لهذا لا يبدو مدهشا أن ينشغل مواطن فى أعماق الريف أو الصعيد بقصة انتقال نيمار الجناح البرازيلى الشهير من برشلونة الإسبانى إلى سان جيرمان الفرنسى، أو يركز البعض محليا على تصريحات المطربة ضد زميلها وهل هو سوء تقدير أم غيره أم انتقام، أو قضية وفاة الفنانة الاستعراضية غزل. شغلت وفاة الفنانة الاستعراضية غزل فى مستشفى خاص الجمهور ومواقع التواصل، واحتلت صدارة المشهد ليومين كاملين، مع تساؤلات واختلافات واتهامات وآراء ينقسم فيها الجمهور حول قضية تأخذ جدية وتجاوز كونها أحد الحوادث التى تتكرر يوميا، فقد تسرب خبر وفاة الفنانة الاستعراضية فى مستشفى خاص، وأنها كانت تجرى عملية تجميل.
البعض تعامل مع الخبر بنوع من الشك، واعتبره ربما يكون نوعا من الدعاية التى اعتاد بعض الفنانين إطلاقها كنوع من الشائعات الترويجية، لكن تأكيد الوفاة وأنها كانت بسبب عملية إجهاض أو ولادة مبكرة، أعاد الجدل حول الموضوع، خاصة مع وجود اتهامات لفريق المستشفى بارتكاب أخطاء طبية، وتحول الاهتمام من خبر حول فنانة إلى خبر حول الأخطاء الطبية والعمل بدون ترخيص والإجهاض فى مستشفيات بير السلم. ليبدأ نقاش جديد حول الأخطاء الطبية، وغياب الرقابة.
وبعد أن استفند الرواد النقاش وأرهقتهم المجادلات اللانهائية، خرج البعض ليرفع لواء الحكمة، ويبدى استنكاره من الاهتمام المبالغ فيه بخبر فنانة راحلة، يرد آخرون باعتبارها إنسانة ماتت بخطأ طبى، ويرد ثالث بأن هناك من يموت يوميا ولا يجد الاهتمام.
قضية غزل خير تعبير ومثال عميق عن حالة «الانشغال الافتراضى» على مواقع التواصل وهو انشغال يصعب تحديد أبعاده، أو التعرف على الجدية والهزار، أو الحق والباطل فيه، ومن يهتم بمعرفة الحقيقة ومن يعيد ترديد شائعات، وينقل عنعنات بلا أصل.
ولم تنته قصة غزل حتى انشغل جمهور الكرة بقصة اللاعب البرازيلى الدولى نيمار دى سيلفا، أغلى لاعب فى تاريخ كرة القدم، بعد انتقاله من برشلونة الإسبانى إلى باريس سان جيرمان الفرنسى مقابل 222 مليون يورو، كانت الأرقام شاغلا، وتصريحات نيمار احتلت صدارة الأنباء وغطت على أنباء التوترات فى ليبيا واتفاقات الهدنة فى سوريا.
العالم أصبح أصغر من قرية، ومواقع التواصل منصات دردشة ونميمة وجدل، وحالة أشبه بنقاش جاد، بينما يخلو من أى جدية، أو يتوصل إلى نتجة.
الأغلبية على «فيس بوك» خبراء فى كل شىء وفاهمون عمقاء يعرفون أين أخفى القرد ابنه، وكثيرون يدخلون النقاش ولدى كل منهم رأى نهائى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة