بين الحين والآخر، يصدر وزير الداخلية، قرارات باستبعاد بعض الأجانب من البلاد، ومنع دخولهم مصر، وذلك استنادًا للسلطة المخولة له فى قانون دخول وإقامة الأجانب بأراضى جمهورية مصر العربية والخروج منها رقم 89 لسنة 1960، والمعدل بالقانون رقم 88 لسنة 1960.
قرارات استبعاد الأجانب تصدر عادة، بعد التأكد من أن وجودهم يهدد أمن الدولة أو سلامتها فى الداخل أو فى الخارج أو اقتصادها القومى أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو السكينة العامة.
القواعد التى نظمها القانون لإبعاد الأجانب من البلاد
خُصص الباب الرابع من القانون رقم 89 لسنة 1960 فى شأن دخول وإقامة الجانب بأراضى جمهورية مصر العربية والخروج منها، والمعدل بالقانون رقم 88 لسنة 2005، لتحديد أسباب إبعاد الجانب خارج البلاد، وكيفية خروجهم، حيث نصت المادة 25 على أن إبعاد الأجانب يكون بقرار من وزير الداخلية.
فيما جاءت المادة 26 من القانون لتحدد أسباب إبعاد الأجنبى، ونصت على أنه "لا يجوز إبعاد الأجنبى من ذوى الإقامة الخاصة، إلا إذا كان فى وجوده ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها فى الداخل أو فى الخارج أو اقتصادها القومى أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو السكينة العامة أو كان عالة على الدولة بعد عرض الأمر على اللجنة المنصوص عليها فى المادة 29 وموافقتها.
واللجنة نصت عليها المادة 29 من القانون تتشكل من وكيل وزارة الداخلية، رئيس إدارة الفتوى والتشريع لوزارة الداخلية بمجلس الدولة، رئيس إدارة الفتوى والتشريع لوزارة الخارجية بمجلس الدولة، مدير عام مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية، مدير الإدارة القنصلية بوزارة الخارجية، مندوب عن مصلحة الأمن العام.
ونصت المادة 31 على أنه "لا يسمح للأجنبى الذى سبق إبعاده بالعودة إلى أراضى الجمهورية العربية المتحدة إلا بإذن من وزير الداخلية".
تباين بين أحكام القضاء بشأن استبعاد الأجانب
في حكم قضائي أصدرته الدائرة الأولى، بمحكمة القضاء الإدارى، أيدت قرار وزارة الداخلية باستبعاد محمد كالا تشاز دالى، بنجلاديشى الجنسية، خارج البلاد، لما يمثله من خطورة على أمن الدولة وسلامة مواطنيها، بعد اتهامه فى قضية تزوير.
القضاء الإداري يؤيد استبعاد بنجلاديشي لخطورته على الأمن القومي
وأقيم كالا تشاز، فى مصر منذ أكثر من عشرين عاما، ومتزوج من سيدة مصرية وحصل على الإقامة بالأراضى المصرية حتى عام 2018، وتم ضبطه فى قضية تزوير تذاكر سفر للخارج، وتحرر المحضر رقم 8510 لسنة 2016، جنح المقطم، فصدر قرار من جهاز الأمن الوطنى باستبعاده خارج البلاد.
قالت المحكمة فى حيثيات حكمها، إن قرار الداخلية صدر صحيح ومتفق مع القانون حيث ظهرت دلائل جدية تفيد أن المتهم يقوم بأنشطة إجرامية فى الأراضى المصرية على نحو يخل بأمن الدولة وسلامة مواطنيها.
وذكرت أن للدولة بما لها من سيادة على إقليمها الحق فى اتخاذ ما تراه لازماً من الوسائل للمحافظة على كيانها وأمنها فى الداخل والخارج لصالح رعاياها، وهى تتمتع فى ذلك بسلطات واسعة فى تقدير مناسبات إقامة أو عدم إقامة الأجانب على أراضيها فى حدود ما تراه متفقاً مع الصالح العام.
أضافت أنه ليس للأجنبى أصلاً الحق فى دخول البلاد أو الإقامة بها، وإنما هى رخصة تتمتع فيها جهة الإدارة بقدر واسع من سلطة التقدير، ولا يقيد هذه الرخصة سوى عدم إساءة استعمال السلطة، بمعنى أن يكون إبعاد الأجنبى المقيم فيها أو عدم السماح له بدخولها قائماً على أسباب جدية يقتضيها الصالح العام.
وأكدت على أنه لا يشترط لمنع الأجنبى من دخول البلاد أو إبعاده عنها أن يتأكد للدولة بقرائن قاطعة سوء سمعته أو خطورته على أمن البلاد ومصالح شعبها، بل يكفى أن تتوافر لديها الدلائل والشبهات التى تطمئن إليها، وترى معه خطورته على البلاد.
الإدارية العليا تلغي قرار الداخلية بطرد طالب عراقي يدرس الهندسة بمصر
أما المحكمة الإدارية العليا، أصدرت حكما آخر، برئاسة الرئيس السابق لمجلس الدولة المستشار الدكتور محمد مسعود، أكدت فيه على ضرورة أن يكون لإبعاد الأجانب خارج البلاد سبباً مستمداً من الأوراق يبرره، وإلا كان استعماله بغير سبب أو استناداً إلى سبب تبين عدم صحته ضرباً من التعسف وسوء استعمال للسلطة.
قصة راسم ترويها والدته العراقية أروى الراوي، حيث ذكرت أنها حصلت هي ونجلها على إقامة مؤقتة بمصر، ولجأوا إليها بعد سيطرة عصابات داعش على بعض المناطق العراقية، وفقدانهم للأمن والأمان، وكان نجلها "راسم" يدرس بكلية الهندسة والتكنولوجيا بجامعة المستقبل بمصر خلال عامي 2014 و 2015 وما زال مقيد بالكلية في العام الدراسة 2016/2017.
وأضافت الطاعنة أن نجلها حُرر ضده المحضر رقم 3664 لسنة 2015 إداري قسم التجمع الأول للاشتباه فيه وتم إخلاء سبيله في ذلك المحضر، وعرضت وزارة الداخلية أمره على النيابة العامة للإفادة بالرأي حول ترحيله خارج البلاد، وانتهت النيابة العامة إلى أن الوزارة وشأنها في ذلك الأمر، مضيفة أن الأمر عرض على قطاع الأمن الوطني بالقاهرة فأخطر مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية بموافقة وزير الداخلية على إنهاء إقامة المذكور وترحيله خارج البلاد، وأصدر وزير الداخلية قراره بإبعاد نجل الطاعنة خارج البلاد لأسباب تتعلق بالصالح العام، وتم ترحيله إلى العراق في يونيه 2016 على متن طائرة الخطوط الجوية العراقية.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن مبادئ القانون الدولي منحت للدولة حق إبعاد من ترى إبعاده من الأجانب غير المرغوب في بقائهم دفعاً لخطرهم وتأميناً لسلامتها، وصيانة لكيانها شعباً ومجتمعاً من كل ما يضره، بما لها ن حق سيادة، لافتة إلى أن الدولة تمتلك سلطة تقديرية في مسألة الإبعاد، مؤكدة أن هذه السلطة لا يقيدها إلا قيد حسن استعمال ذلك الحق.
وأشارت إلى أن المحضر المشار إليه الذي حرر ضد نجل الطاعنة للاشتباه هو محضر إداري وقد تم إخلاء سبيله ولم يثبت من الأورق أنه قد وجه إليه أي اتهام في ذلك المحضر، كما لم يثبت أنه خالف شروط الترخيص بالإقامة الصادر له من وزارة الداخلية، أو ارتكب أي مخالفة قانونية أو أخل بالنظام العام، أو توافر في شأنه أي سبب يبرر إنهاء إقامته بمصر وإبعاده خارج البلاد، وحرمانه من إتمام دراسته بها ومن الإقامة مع أسرته المكونة من أمه وشقيقه المرخص لهما بالإقامة في مصر حتى 30 نوفمبر 2017.
وأكدت المحكمة أن وزارة اداخلية لم تقدم أمام محكمة القضاء الإداري أو أمامها أي سبب يبرر إبعاد نجل الطاعنة خارج البلاد، موضحة أن ما ورد بقرار وزير الداخلية بالإبعاد من أن إبعاده جاء لأسباب تتعلق بالصالح العام غفل عن تحديد أي أسباب، مؤكدة أن القرار قام على أسباب معدومة وجاء فاقداً لركن السبب، ومن ثم يكون قرار وزير الداخلية المطعون فيه قد صدر غير مشروع لانعدام سببه.
وفي حكم صادر في 21 إبريل 2007، أكدت المحكمة الإدارية العليا، أنه من المبادئ المستقرة بالقانون الدولي أن للدولة حق إبعاد من ترى إبعاده من الأجانب غير المرغوب في بقائهم، دفعاً لخطرهم، وتأميناً لسلامتها وصيانة لكيانها شعباً ومجتمعاً من كل ما يضره، بما لها من حق السيادة، وأن للدولة الحق في تقدير ما يعتبر ضاراً بشئونها الداخلية والخارجية، ولها الحق في اتخاذ التدابير المناسبة لكل مقام في حدود الواجبات الإنسانية، وهو ما تعارف عليه دولياً، ولها سلطة تقديرية في الإبعاد، ولا يرد على هذا الحق إلا قيد حسن استعماله، بحيث يكون للإبعاد سبب يبرره، يستخلص استخلاصا سائغاً من الوراق، وإلا كان استبعاده لغير سبب أو استنادا إلى سبب تبين عدم صحته ضرباً من التعسف وسوء استعمال السلطة".
رئيس محاكم القضاء الإداري السابق: يتم دراسة كل حالة على حدة
المستشار عادل فرغلي، الرئيس السابق لمحاكم القضاء الإداري، قال في تصريحاته لليوم السابع، أن استبعاد الأجنبي من عدمه تتوقف على مدى خطورته على الأمن العام، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد.
أوضح أنه يتم التفرقة بين الأجنبي الزائر والأجنبي المقيم الذي حصل على إقامة في مصر، فالحاصلين على إقامة لا يمكن استبعادهم إلا بحكم نهائي صادر ضدهم، يؤكد تورطهم وخطورتهم على الصالح العام، ويكون ارتكب فعلاً مؤثماً يضر بالأمن القومي.
وأشار إلى أنه لابد من وجود أسباب جدية لاتخاذ قرار استبعاد أجنبي أو منعه من دخول البلاد، حتى لا يتم الإساءة لسمعة مصر، وفي الوقت ذاته للدولة سلطات واسعة في الحفاظ على أمنها القومي، ويجب موازنة الأمور بميزان المشروعية.
وأضاف أن كل حالة يتم دراستها على حدة، قبل اتخاذ قرار استبعاد أي أجنبي، وبالنسبة للأحكام القضائية، فالمحاكم أيضاً تبحث كل حالة على حدة للتأكد من وجود ما يدل على أن المستبعد يمثل خطورة على أمن وسلامة البلاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة