عندما سألوا أحد التلاميذ فى مدينة الموصل عن الذى تعلمه فى المدرسة خلال السنوات الثلاثة التى سيطر فيها تنظيم داعش الإرهابى على المدينة قال: «علمونا كيف نقطع رأس شخص، وكنا نتدرب على دمية ترتدى زى الجيش العراقى».
نعم.. خرج التنظيم الإرهابى داعش من مدينة الموصل العراقية، لكنه خلف وراءه كوارث إنسانية لا حد لها، أبرزها ما حدث للأطفال الذين تمت الإساءة إليهم خلال تلك الفترة بشكل وحشى لا يتصوره أحد، حتى أن منظمة اليونيسيف أعلنت أن مئات الأطفال ماتوا خلال الحروب وأن أكثر من 3800 طفل فقدوا ذويهم أو افترقوا عنهم خلال المعارك بين القوات العراقية وتنظيم داعش بالمدينة، ورأت المنظمة أن الأطفال الناجين بحاجة إلى إعداد نفسى قبل أن يتم جمع شملهم فى مجتمعهم، فالأطفال معرضون للإصابة بأمراض نفسية بسبب المعاناة التى مروا بها، فهم يعانون من مستويات عالية من الرعب، وبحاجة إلى تلقى علاج نفسى لتخطى تلك الفترة وإلا تعرضوا لخطر الإصابة بأمراض نفسية تلازمهم طوال حياتهم.
ومنظمة «أنقذوا الأطفال» رأت أن ذوى الأطفال لا يستطيعون العناية بهم، لأنهم يعانون من الصدمة أيضا، وقالت إن نحو %90 من الأطفال تعرضوا لمشاهدة ذويهم وهم يقتلون بوحشية أمام أنظارهم، أو فقدوا أحدا من أسرتهم خلال الصراع.
لنا أن نتخيل ما فعله التنظيم فى هذه الفترة الصعبة التى مرت بها ثانى أكبر مدينة فى العراق، لقد عبث التنظيم بكل شىء وأوله التعليم وبعقول الأطفال فى المدارس وأعاد تشكيلها حسب معتقدات التنظيم، حيث أمر التنظيم المعلمين بإحراق الكتب القديمة التى تمتلئ بالشعر والأغنيات، وحكايات عن تاريخ العراق، كما أن مادة الجغرافيا لم تسلم من عبث التنظيم، فقد أزال الحدود بين سوريا والعراق، ليعطى انطباعًا بعظمة إمبراطوريته. واعتبروا الأكراد والشيعة «كفارًا وجب قتلهم»، كما أن التاريخ أيضا تم تشويهه وتغييره لصالح رجال التنظيم ومرجعياتهم الدينية.
لذا أصبحت الآن هناك معضلة كبيرة تتمثّل فى كيفية محو أفكار العنف والقتل من عقول الأطفال، وهذه المعضلة التى تحتاج إلى وقت بحاجة ملحة إلى تعاون المجتمع الدولى لتقديم المساعدة العاجلة لتلافى الأمراض النفسية لدى الأطفال، فى ظل عدم قدرة الأسر ذاتها على توفير العلاج لأبنائها، وذلك حتى لا نفاجأ بعد سنوات قليلة بأجيال متشربة بثقافة العنف والرغبة فى التدمير، وحينها لن نكون قادرين على حل المشكلة أبدا حتى ولو بالحرب.