صديقى الطبيب حاتم رزق الذى يعيش فى أمريكا منذ 20 عاما، وأبناؤه فى مدارسها، كلما تناقشنا عن قضية التعليم ومستواه فى مصر يستحضر مثلا وهو، أنه لو أراد معاقبة أحد من أبنائه يكفيه أن يهدده بمنعه من الذهاب إلى المدرسة يوما واحدا، حينئذ يشعر الابن أنه نال أقسى أنواع العقاب، فقضاء اليوم فى المدرسة متعة للتلميذ ما بعدها متعة.
أستحضر هذا الكلام دائما كلما تجدد الحديث عندنا عن قضية التعليم ومستواه، وأستحضره وأنا أعى تماما أن مصر ليست أمريكا، والظروف عندنا ليست كالظروف هناك، وأن سنوات طويلة مضت على نظام التعليم هناك حتى أصبح مستقرا متقدما، فى حين أننا فى مصر لم نصل إلى صيغة واحدة مستقرة نمشى عليها رغم كثرة الجدل وتوفر الخبراء.
ويوم الثلاثاء الماضى تابعت وزير التعليم والتعليم الفنى الدكتور طارق شوقى وهو يعلن: «إطلاق مشروع قومى للنهوض بالتعليم»، مؤكدا «ضرورة تصميم نظام تعليمى مبتكر قائم على الجودة والمنافسة، مع إعادة النظر فى جميع عناصر التعليم، بدءا من الدستور والقوانين المنظمة إلى إعداد المعلمين وبناء المناهج»، ومما لاشك فيه أن اعتبار النهوض بالتعليم مشروع قومى هو أمر فى محله تماما، وفى تقديرى أنه لو حقق أهدافه لضمنا كلمة السر التى تفك شفرة التقدم والنهضة التى يحلم المصريون بها، ومما لفت نظرى فى كلام الوزير قوله: «يجب أن يكون لدى المواطنين غيرة شديدة على صورة مصر بين الدول، لأن هناك دولا أقل منها كثيرا، وأفضل فى التعليم، وهذا غير مقبول».
هذا الاعتراف تحديدا من الوزير يضعنا أمام عدد من الحقائق، منها ما هو تاريخى حيث شاهدنا وعشنا جدلا فى سنوات سابقة فرضته حكومات مضت عن تطوير التعليم، ثم لا يسفر الجدل عن شىء يذكر، وتبقى الأمور على حالها، مما أفقد الثقة فى حدوث شىء له قيمة فى هذا الموضوع، وكان ذلك يحدث فى الوقت الذى تضع فيه دول أخرى فى مثل ظروفنا أو أقل خططها للنهوض بالتعليم، وتتقدم هى بينما نتراجع نحن، أما الحقيقة الأخرى فى «اعتراف الوزير»، فهى تفسد الاعتقاد الشائع بأن الدول الغنية يكون التعليم فيها أكثر جودة وتقدما، فهناك دول تقدمت فى التعليم بصورة مذهلة وهى ليست غنية، ومنذ أسابيع حدثنى العالم المصرى الأمريكى المرموق الدكتور طلال عبدالمنعم واصل عن هذه القضية تحديدا، مؤكدا أنه سيمدنى بتقارير دولية حديثة عن هذه الدول التى حققت معدلات متقدمة فى جودة التعليم، بالرغم من ظروفها الاقتصادية، ولأن الدكتور طلال من المهمومين بقضية التعليم فى مصر خاصة قبل الجامعى، ومن المؤمنين بأن تقدم مصر مرهون بتطور التعليم، فهو يلتقط أى قصاصة ورق منشورة فى أى مكان مفيدة فى هذا الموضوع، ويحتفظ بها لعل يكون لها فائدة.
ولأن الدكتور طارق شوقى يطرح بصراحة مسألة أن دولا أقل منا كثيرا وأفضل فى التعليم، فهذا يعنى أنه يقدم تصوراته وهى يعى تماما ظرفنا الاقتصادى العام، وبالتالى فهو يثق فى قدرتنا على إنجاز النهوض بالتعليم رغم أى مصاعب اقتصادية، وهذا تحدى يستحق الوزير التحية عليه كخطوة أولى، أما التحية على الخطوة الثانية فستكون حين يلمس المواطن البسيط أننا نضع بالفعل أقدامنا على أول طرق للإصلاح التعليم، أما التحية الكبيرة فستكون حين بأتى اليوم الذى يشعر فيه أبناؤنا بالذنب حين نعاقبهم بحرمانهم من الذهاب إلى المدرسة كعقاب على خطأ ارتكبوه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة