كرم جبر

إسرائيل هى التى تحتل القدس وليست مصر!

الإثنين، 07 أغسطس 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تكن من أولويات الرئيس جمال عبدالناصر الحرب ضد إسرائيل، كان مشغولا بالتنمية والخطط الخمسية، وبناء اقتصاد قوى يرفع مستوى معيشة المواطنين، وفى خطابه الشهير فى عيد العمال سنة 1966، قبل النكسة بعام واحد، لم يتحدث عبدالناصر عن المواجهة مع إسرائيل.. ورغم ذلك فقد زجوا به إلى حرب لم يكن مستعدا لها.
 
كيف تورط عبدالناصر فى الحرب؟.. استفزوه وسبوه ورددوا نفس الهتافات التى نسمع مثلها من بعض الفلسطنيين الآن، واتهموه بأنه لا يصلح قائدا للقومية العربية، وأنه حليف إسرائيل ويركع تحت أقدامها، وخرجوا فى الشوارع يحملون صوره بطريقة مهينة.. فعلوا ذلك مع عبدالناصر، الذى وهب حياته وسخر موارد بلاده من اجل فلسطين.. عبدالناصر الذى أعلى شأن القومية العربية، وقاد ملاحم النضال البطولى، وخلق حالة ثورية من المحيط للخليج.. والسؤال إذن: ماذا يمكن أن يفعلوا مع غيره؟
 
توريط أى دولة فى حرب، يبدأ من ألسنة أصحاب النضال الكاذب، فعندما ضربت الطائرات الإسرائيلية دمشق سنة 66، خرج البعثيون فى الشوارع يهتفون بسقوط عبدالناصر، ورددوا نفس النغمة السخيفة «واحد اتنين الجيش المصرى فين»، وسبحان الذى يغير ولا يتغير، فكأن تاريخ العرب يروح ويجىء أمام جُحر، فيلدغون منه مرتين وخمسة وعشرة، فمناضلى الوهم الذين سبوا مصر مؤخرا، هم انفسهم من تظاهروا ضدها فى الشوارع فى كل الأزمات، وكأنه كُتب على هذا الوطن أن يعيش مهموما بغيره، ولا تشغل همومه أحدا.. أنهم نفس لوبى الشماتة والكراهية والكذب، والذين صفقوا لصفوت حجازى عندما ضحك عليهم «بالملايين ع القدس رايحين»، بينما كان رئيسه المعزول يتغزل فى محاسن صديقه الوفى شيمون بيريز، وخطوة بخطوة، ومظاهرة بمظاهرة وهتاف بهتاف، تورط الزعيم وتم الزج بمصر فى حرب ألحقت بها هزيمة بشعة.. ثم خرج البعثيون بعدها فى الشوارع يهتفون بسقوط عبدالناصر، مدعين أن المهزوم لا يصلح أن يكون قائدا للقومية العربية.
 
فعلوا مع السادات الأكثر لأنه كان كارها للوبى النضال الكاذب، وكانوا كارهين له، وضعوه فى رأسهم ووضعهم فى رأسه، وشنوا عليه كل صنوف الحرب، رغم أن كان خارجا منتصرا من حرب أكتوبر المجيدة، فلم يساعدوا دولته التى استنزفتها الحروب، ولكن شددوا حوله الحصار، وبدلا من عمل كماشة حول إسرائيل، أعلنت ما سمى بدول الطوق العربى الطوق حول مصر، بعد أن أبرم السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل، ورفض الفلسطينيون المشاركة فى محادثات مينا هوس، فأضاعوا على أنفسهم فرصة تاريخية، لم ولن تأتيهم مرة ثانية.
 
قاد صدام حسين خطة تجويع مصر، وحصار شعبها، بشكل لم يفعله الاستعمار، ورفض السادات اللعبة الخبيثة بأن يدفعوا له عدة مليارات من الدولارات، مقابل أن يتراجع عن السلام، وقالها بصريح العبارة إنه سيحرر أرضه وليشربوا من البحر، وظل صامدا ولم يتراجع، واستمر فى تمسكه بالسلام.. وهذا هو سر الكراهية والعداء الرهيب للسادات.. وأيضا سر حب المصريين له، لأنه كان يعرف مصلحة بلده أولا وجعلها قبل كل شىء، ولو لم يفعل ذلك كنا مازلنا عند نقطة الصفر.
 
وكأنه كان مطلوبا أن تظل أرضه محتلة، وأن تظل سيناء رهينة للتظاهرات والهتافات، وأن يكون مستقبل البلاد فى يد جنرالات المقاهى ومناضلى الدولار، ولكن السادات كان شجاعا وجريئا وعلى ثقة بأن شعبه يقف خلفه ويقدر أعماله، وأنه مهما فعل فلن يرضى أحدا، فقرر أن يكون الرضا والقبول لما يحقق مصلحة بلاده.
 
ويتكرر الآن نفس العزف النشاز بكاءً على الأقصى، ولم يقل لنا الباكون ماذا فعلوا من أجل الأقصى، وهل أطلقت ميليشاتهم المسلحة رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، أم اقتصر القصف على صدورنا وشبابنا، الذين يخوضون حرب الوجود والمصير، ضد عصابات الإرهاب القذرة، التى عميت عيونها وغشيت قلوبها، وتصورت أن الطريق إلى الأقصى يمر عبر سيناء، وأن إنقاذ القدس يكون بقتل شبابنا المؤمن بالله وبوطنه، فمن أنتم وما هويتكم ومن أين جئتم؟ ولماذا لا تتركون بلدنا الآمن، يتفرغ لبناء مستقبله، وتوفير فرص الحياة الكريمة لشعبه الصابر.
 
ولأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فقد رفضت مصر طُعم التوريط مرة أخرى، وحافظت على استقلالها الوطنى وكرامتها وكبريائها.. ولكن هذا لا يعجب المناضلين العرب، الذين يحركون الجماهير الغاضبة لتهتف ضد مصر وشعبها، ولا تجد شيئا تعايرنا به سوى الأرض التى باعوها، والأقصى الذى فرطوا فيه، وبات واضحا أن العلاقات التاريخية ووشائج الأخوة واللغة والثقافة، لم تعد كافية لمواجهة موجات الغل والحقد التى تهب على مصر وشعبها، لم يعد ينفع أن تحدثهم عن تضحيات هم جاحدون بها، لأن نكران الجميل أصبح لغة التفاهم الوحيدة بين بعض الشعوب العربية، ولا تنفع معه أخوة ولا تاريخ.
 
مصر تعى تماما بحكم عمق تحاربها، أن مصلحتها العليا تقتضى العمل من خلال مظلة عربية، لأنه لا يمكن أن تعمل وحدها فى محيطها العربى، وتدرك تماما أن القضية الفلسطينية هى مفتاح السلام فى الشرق الاوسط، ولن يتحقق هدوء أو استقرار، ما لم يتم إقرار التسوية العادلة والشامل، وفى صدارتها أن تكوم القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.. أفيقوا وعودوا إلى رشدكم، فإسرائيل هى التى تحتل القدس وليست مصر.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة