أمر مضحك أن يتحدث مسؤولون قطريون أو متعاطفون مع النظام الإرهابى الذى يحكم قطر حاليًا عن دور جامعة الدول العربية، ويتساءلون عن أسباب غيابها عن أزمة الإمارة الخليجية الأخيرة مع الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب الممول من قطر، فمجرد طرح السؤال فى حد ذاته يؤكد أن القطريين مازالوا يناورون، ولا يريدون العودة إلى الخط المستقيم، وأنهم يبحثون عن شماعات يعلقون عليها أسباب فشلهم فى العودة مرة إلى التوافق العربى.
القطريون يبحثون دومًا عن أسباب تجعلهم يهربون من المسؤولية، ذهبوا إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة مختصمين الدول الأربع، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وحاولوا استعداء الدول الغربية عليهم، لكنهم فشلوا فى كل مساعيهم، واليوم يسألون أين الجامعة العربية، ولم يسألوا أنفسهم السؤال الطبيعى المطلوب طرحه والإجابة عنه فى هذا التوقيت تحديدًا، وهو: لماذا اختارت قطر أن تكون عدو العرب رغم انتمائها العربى؟
ويكفى هنا الرد على السؤال المتعلق بالجامعة العربية العودة لما قاله السفير حسام زكى، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، بأن «الجامعة العربية رأت منذ البداية أن الوساطة الكويتية التى أعلنت منذ الساعات الأولى من اندلاع الأزمة هى السبيل الأمثل لمعالجة الوضع، فأمير الكويت تربطه علاقات طيبة مع جميع الأطراف، وبالتالى هو الأنسب لهذا الدور بين الإخوة العرب، ولما صدر تصريح عن الأمين العام أحمد أبوالغيط فى بدايات الأزمة قال إنه مستعد للتدخل إذا طلبت الأطراف منه ذلك، ومنذ بداية الأزمة وحتى الآن الأمين العام يؤيد الجهد الكويتى، وهذا ليس غيابًا لدور الجامعة العربية عن الأزمة، قدر كونه إدراكًا أن أفضل من يقوم بهذا الدور الكويت، لأنها دولة عربية وقائدها عربى، وأمين عام الجامعة يؤيده بشكل كبير».
ما قاله السفير حسام زكى يكفى تمامًا للرد على المحاولة القطرية الخبيثة، أخذًا فى الاعتبار أن الدوحة كانت الدولة الوحيدة التى أبدت تحفظها على اختيار الأمين العام للجامعة السفير أحمد أبوالغيط، وكلنا ندرك أسباب هذا التحفظ، فـ«أبوالغيط» هو أكثر الشخصيات كشفًا للأدوار القطرية التخريبية فى المنطقة العربية، وحينما كان وزيرًا للخارجية وقف بقوة أمام المخططات القطرية للتحكم فى السياسة العربية وأمام تدخلات الدوحة فى الملفات العربية، لذلك فالسؤال لا يستهدف الجامعة، وليس بحثًا عن دور لها فى الحل، بقدر ارتباطه بالسياسة القطرية الكارهة لشخص «أبوالغيط»، الذى استطاع أن يعيد للجامعة استقلالها، بعدما كانت ترتمى فى أحضان قطر أيام الأمين العام السابق الدكتور نبيل العربى، الذى سلم القطريين كل مفاتيح العمل العربى، لأسباب بعضها ظاهر والكثير منها خفى.
قطر تحت قيادة الإرهابى تميم بن حمد تنظر للجامعة العربية الآن باعتبارها عدوًا لها، لأنها استقلت بالقرار العربى عن الوصاية القطرية، وهو ما ظهر على سبيل المثال من القيادات التى تدير الملفات حاليًا فى الجامعة، ويكفى هنا الإشارة إلى شخص واحد لتتأكدوا مما أقوله، وهو السفير حسام زكى، الذى يعد من فرسان الدبلوماسية المصرية، التى لا يختلف اثنان على وطنيتها ومهنيتها، والتى ظهرت لكل المصريين خلال عمله كمتحدث رسمى لوزارة الخارجية لأكثر من أربع سنوات، كان خلالها مدافعًا قويًا عن المصالح العليا للدولة المصرية، وللأمن القومى العربى بشكل عام، خاصة أن وزير الخارجية وقتها أحمد أبوالغيط كان يعهد إليه بعدد من الملفات المهمة، منها الصراع العربى الإسرائيلى، والعلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، كل ذلك بجانب مهمته كمتحدث رسمى، واستطاع «زكى» أن يؤدى كل المهام بإجادة تامة دفعت الجميع لاحترامه.
حسام زكى الذى تولى منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية معروف لدى المحيطين به، ومتابعى تحركاته وعمله، بأنه من أصحاب المواقف التى لا تلين، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصر أو الأمن القومى العربى، وهو ما جعله فى المقدمة دومًا، خاصة أنه لا يبحث عن مجد شخصى، وإنما كل هدفه أن يخدم البلد والوطن فى المكان المناسب، وكان قبوله منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية مفاجئًا للكثيرين من المحيطين به، خاصة أنه كان يتولى منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية، ورشحه كثيرون لتمثيل مصر فى أهم العواصم الغربية، بل إن بورصة الترشيحات وضعته أكثر من مرة فى منصب وزير الخارجية، لكنه لم يتأخر فى قبول المنصب العربى، لأنه رأى فيه مجالًا آخر لخدمة مصر والعرب، حتى وإن كان بعيدًا ولو مؤقتًا عن وزارة الخارجية التى يعرف كل تفاصيلها ويحفظ ملفاتها عن ظهر قلب.
حسام زكى هو خير نموذج للدبلوماسيين الذين تخشاهم قطر فى أى مكان يتولاه، سواء فى الخارجية المصرية أو جامعة الدول العربية، لأنه يعلم جيدًا المصالح العليا لمصر، ويدرك كيف يدافع عنها ويحافظ عليها، ولديه شبكة علاقات داخلية وخارجية تمكنه من نسج جميع التفاصيل فى أقصر وقت، وهو ما دفع الأمين العام، أحمد أبوالغيط، إلى الاستعانة به فى الجامعة، لأنه يؤمن بقدراته وشخصيته الدبلوماسية والسياسية وعلاقاته أيضًا، وأنه أحد قلائل قادرين على العمل حتى فى وقت التوتر والأزمات بكفاءة عالية.
«أبوالغيط» ورجاله فى الجامعة العربية، وفى مقدمتهم حسام زكى، هم المستهدفون من التلميحات القطرية المتكررة، لكن حكام الدوحة لا يدركون حقيقة مهمة جدًا، هى أن «أبوالغيط» أو حسام زكى أو غيرهما لا ترهبهم هذه التليمحات، لأنهم فى النهاية لا يخدمون دولة، إنما يخدمون نظامًا عربيًا مطلوبًا منهم أن يكونوا جزءًا أصيلًا فى الحفاظ على وجوده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة