ضحكة جميلة تعلو شفاههم، وعيون مشدوهة من الانبهار بسبب ما يشاهدونه أمامهم، وفرحة عارمة ممزوجة ببعض الخوف من الحيوانات المفترسة، أو الفضول الذى يدفع بعضهم للتفكير فى محاولة الاقتراب منها.. هذا هو حال الأطفال وهم يشاهدون عروض السيرك القومى بكل ما يحمله العرض من فقرات متنوعة ومبتكرة.
يحب الأطفال الذهاب لمشاهدة عروض السيرك المتنوعة التى تأخذهم لعالم ملىء بالابتكار والانبهار والمتعة، من خلال مشاهدة المهرج، ولاعبة «الهيلاهوب» التى تخطف قلوب الفتيات، وتدفعهن لمحاولة محاكاة الحركات التى تمارسها فى السيرك، بالإضافة إلى الساحر الذى يخطف لب كل من يجلس أمامه، سواء أكان كبيرًا أم صغيرًا.
خاضت «اليوم السابع» رحلة بسيطة داخل كواليس السيرك القومى، للتعرف على ما وراء «الماسكات» من شخصيات، فتعرف معنا من خلال السطور القادمة على شخصيات السيرك الحقيقية، التى لا نعلم عنها شيئًا، ولا حتى اسمها الحقيقى.
زياد أصغر لاعب.. الصبح طالب ابتدائى وبالليل بيقدم عرض على سلم 10 أمتار
فى مشهد ترتجف له قلوب الجميع يتسلق الطفل «زياد» سلمًا على ارتفاع أكثر من 10 أمتار عن مستوى الأرض، ليقوم بحركات بهلوانية عليه، ذلك السلم غير المستقر على الأرض بل يحمله المدرب على إحدى قدميه، ذلك المشهد الذى يشاهده الكثير وهو فاغر فاه خوفًا عليه من السقوط الذى قد يتسبب فى حدوث كارثة بكل المقاييس.
ثلاث سنوات هو الوقت الذى استغرقه المدرب محمد كمال المصرى لتدريب زياد عل القيام بحركات بهلوانية فوق السلم الهوائى دون خوف، ذلك الطفل الذى لم يكمل دراسته الابتدائية بعد، والذى اتخذ قرار العمل فى السيرك بكامل إرادته، حين شاهد «كمال» الذى أصبح مدربه فيما بعد وهو يتدرب فوق سطح الجيران، فقرر أن يلتحق به وينضم للتدريب.
واظب الطفل على التدريب والدراسة فى الوقت نفسه، فكان ينتهى من واجباته المدرسية بمجرد عودته للمنزل كل يوم حتى لا يتأخر عن تدريب السيرك، وكانت والدته أول من يقدم له الدعم لتحقيق حلمه، فلم تترك تدريبًا أو عرضًا إلا وحضرته، وبصوت طفل لم يتعدَ الـ 12 عامًا من عمره يقول زياد: «بحب المدرسة والسيرك، المدرسة مستقبلى وشغلى فى السيرك مستقبلى». يحكى المدرب محمد كمال لـ«اليوم السابع» قائلًا: لم أجد من زياد سوى الحماس فى التدريب، ولم يرفض يومًا أن يقوم بأى حركة أطلبها منه أو أحاول أن أعلمها له، كما أرى فى عينيه دائمًا حبه للتدريب وحرصه عليه، ورأيت فى عينيه شغفصا بالتمرين منذ اليوم الأول الذى قرر فيه العمل معى، وكان يلتزم بدورات الإعداد البدنى والغذائى تمامًا.
وعن طريقة التدريب على القيام بتلك الحركات البهلوانية، يقول المدرب إن مراحل التدريب الأولى تكون على الأرض، بحيث يتم تقديم الاستعراض كاملًا على الأرض، ثم تبدأ مراحل التأهيل النفسى قبل الصعود على السلم.
خطوات عديدة يمر بها المدرب ومساعده حتى يقدما عرضًا جيدًا وخاليًا من المخاطر، تبدأ بتأهيل محمد كمال نفسه على عدم الشعور بالخوف، باعتباره أخطر ما يمكن أن يتعرض له مقدم اللعبة، ثم تبدأ مرحلة تأهيله وزياد للشعور ببعضهما البعض خلال تأدية الفقرة، فيشعر كمال الواقف على الأرض حاملًا السلم على قدميه بأى حركة يقوم بها الطفل وهو أعلى السلم، تلك اللغة التى تنشأ بينهما من خلال التدريب.
«مشمش وبندق».. جمعهما حب مهنة «المهرج» وفرقهما «المعاش» وعُرفا بـ «ناقر ونقير»
رغم اقترابه من الـ 60، فإنه يبدو شابًا فى الثلاثين من عمره، فلم يترك الزمن أى آثار عل ملامحه، إنه سيد الكيلانى الملقب بـ «بندق» داخل السيرك القومى، الذى اقترن اسمه بزميله رفعت عبدالرحمن المعروف بـ «مشمش».
«اشتغلت فى السيرك فى إبريل عام 1969، واخترت أخطر شغلانة وهى تقديم فقرة البابوك اللى بتعتمد على تدريب الأسود والنمور، ووقتها كان عندى 9 سنين»، هكذا بدأ كيلانى حديثه مع «اليوم السابع» عن عمله فى السيرك القومى، واستكمل قائلًا إنه انتقل بعدها من تقديم تلك الفقرة إلى الأكروبات، وبعد مرور 20 عامًا أصبح جسده غير ملائم لتلك اللعبة التى تعتمد على أن يقوم رجلان بتنقيله بين أقدامهما، ولاحظ أن السيرك لا يوجد به من يقدم فقرة المهرج، فقرر العمل فى تلك المهنة، واستطاع أن يتعلم أساسياتها على يد مجموعة من المدربين الروس رغم صعوبتها، وتعرف خلال هذا التدريب على صديقة عبدالرحمن الملقب بـ «مشمش».
عُرفا بـ «ناقر ونقير» طوال 40 عامًا هى مدة تقديمهما فقرة المهرج سويًا فى السيرك القومى من خلال شخصيتى «بندق ومشمش»، وارتبط اسماهما ببعض، وساعدهما حبهما للمهنة على تقديم تلك الفقرة الصعبة بنجاح مبهر، نظرًا لكونها تعتمد على خطف الأنظار، وتستخدم للربط بين الفقرات الأخرى حتى لا يشعر الجمهور بالملل.
حصل «مشمش» و«بندق» على لقب أفضل مهرجين على مستوى العالم العربى فى مهرجان دبى الذى أقيم عام 1999، واستطاعا أن يحصلا على المركز الأول فى المهرجان الذى شاركت فيه 23 دولة، ليتفوقا بذلك على المدربين الروس الذين تلقوا أساسيات تعلم تلك المهنة فى البداية على أيديهم.
«المهرج مش موظف عشان يخرج على المعاش».. كانت تلك الجملة الممزوجة بدموع سيد أو «بندق» كما يحب أن يناديه كل من فى السيرك، أو يأتى إليه متفرجًا طوال 40 عامًا من عمله كمهرج مع «مشمش»، الذى أبعده عن السيرك وصديقه «بندق» خروجه على المعاش الذى يفرض عليه بمجرد وصوله لعمر معين. وأضاف أنه استطاع مع «مشمش» تغيير النمط التقليدى المعروف عن المهرج، وأضافا بصمة خاصة بهما فى أذهان كل من يشاهدهما، وابتكرا فلسفة خاصة بهما تعتمد على ترسيخ القيم والأخلاق فى عقول الأطفال من خلال استخدام «التهريج» فى توعيتهم، وترسيخ بعض القواعد التربوية لديهم.
محمد فتحى.. دخل السيرك القومى وهو عنده 3 سنين وبعد 12 سنة بقى يمشى على الحبل
بخطوات رشيقة وبعينين معصوبتين يسير على السلك برشاقة تجعلك تنظر إليه وأنت فاغر فاك، وتتساءل كيف لشخص أن يسير وعيناه مغمضتان على سلك رفيع هكذا، قد يسقط من فوقه كل من يحاول السير عليه وعيناه غير معصوبتين.. هذا هو الدور الذى يقوم به محمد فتحى فى السيرم القومى.
بدأ فتحى العمل فى السيرك وهو لم يتجاوز عامه الثالث بعد، ودفعه حب المهنة لترك دراسته فى الصف الثانى الابتدائى، والتفرغ للعمل فى السيرك، وكان دوره فى إحدى الفقرات التى يقوم فيها شخصان بقذف طفل بأقدامهما لبعضهما البعض، وكان محمد يلعب دور هذا الطفل وقتها، واستمر كذلك لمدة 15 عامًا، وتركها لأن جسده لم يعد مناسبًا لتلك اللعبة بسبب تمتعه بطول القامة، لذا انتقل للعمل فى «المشى على الحبل».
بدأت قصته مع المشى على الحبل أثنا مشاهدته مصطفى رماح، الذى أصبح مدربه فيما بعد، وهو يسير على الحبل ببراعة، مما سهل من مهمة تدريبه لأنه كان يتابعه عن كثب دائمًا.
وعن إمكانية السير على الحبل، قال محمد إنه يحتاج لاستخدام «زانة»، وهى عبارة عن عصا خشبية تساعده على موازنة نفسه على السلك، وتضمن عدم سقوطه، وأحيانًا أخرى لا يحتاج إليها.
يحتاج لاعب السيرك الذى يقوم بالمشى على الحبل إلى ارتداء حذاء معين يساعده على تنفيذ تلك المهمة بسهولة، وبالرغم من أنه أحيانًا يمكنه السير حافى القدمين، فإنه يحرص خلال العرض على ارتداء الحذاء، ليتجنب السقوط أمام الجمهور وليحمى قدمه من الإصابة بسبب السلك.
لا يقتصر الأمر على الاهتمام بالملابس والحذاء والتدريب فقط حتى يتمكن فتحى من السير على الحبل، ولكن الحبل نفسه يحتاج لعناية من نوع خاص، حيث يجب الحرص على تنظيفه بشكل يومى بعد الانتهاء من العرض، فيقوم بصنفرته حتى يتجنب الرطوبة التى يمكن أن تؤثر بشكل كبير على السلك.
قرر فتحى الارتباط من خارج السيرك، وحين تقدم لخطبة زوجته فيما بعد وأم ابنه الذى لم يبلغ عامه الثانى بعد، أخبر أهلها أنه يعمل بالسيرك القومى، وعبّر عن ذلك قائلًا: «أنا داخل لهم وأنا بشتغل شغلانة شريفة وفخور بيها»، ورغم حبه لعمله فى السيرك، فإنه لا يتمنى أن يعمل ابنه بنفس المجال بسبب ما يلاقيه السيرك من إهمال.
«أنا اتمرمطت كتير فى السيرك، وقعت كتير من على الحبل وأنا بحاول اتدرب على لعبة جديدة، ومرة وقعت أمام الجمهور فى العرض، وكان نفسى أقدم حركات جديدة للجمهور بس الإمكانيات ضعيفة عندنا».. هكذا اختتم فتحى حديثه معنا عن عمله فى السيرك، وأضاف أنه ظل لمدة 4 سنوات يذهب إلى السيرك دون أن يعمل لعدم وجود معدات، مما أصابه بالإحباط ودفعه للبحث عن عمل خارجه بعد أن قضى حوالى 30 عامًا بداخله.
الساحر إبراهيم عبد السلام.. صانع البهجة «الحزين».. جده كان يقدم العروض فى معسكرات الإنجليز ووالده أول من عمل فى السيرك القومى وقت إنشائه
عالم غامض ملىء بالأسرار والتشويق، هذا هو الوصف الأمثل لمهنة «الساحر»، التى تعتمد على الخدع البصرية، التى تتطلب جهدًا كبيرًا من مقدمها حتى يتمكن من إقناع المشاهدين بما يقدمه من ألعاب سحرية، ورغم أن فكرة البعض عن الساحر هى أنه قادر على تحقيق كل الأحلام، فإنه فى الواقع غير قادر حتى على تحسين أوضاع عمله، وهذه هى معادلة «الصيت ولا الغنى» التى يعيشها الساحر فى السيرك القومى.
ورث إبراهيم عبدالسلام، ساحر السيرك القومى، المهنة عن جده الذى كان يقدم عروض السحر فى معسكرات الإنجليز أيام الاحتلال، بعدها انتقلت عائلته كلها للعمل فى السيرك الذى أنشأه الزعيم جمال عبدالناصر، وكان والده أول من عمل به، وتلك كانت بداية قصة الساحر صاحب الـ 37 عامًا الذى يعمل فى السيرك القومى، والذى سيكشف لنا عن ملامح حياة السحرة وأدواتهم ومعاناتهم أيضًا.
بدأ إبراهيم رحلته داخل السيرك من خلال العمل كمساعد لوالده أثناء تقديمه عروض السحر على خشبة المسرح منذ حوالى 30 عامًا، وظل هكذا إلى أن فاجأه والده خلال أحد الأيام بدفعه لتقديم أحد العروض وتأدية الفقرة بمفرده، وكان عمره حينئذ 16 عامًا، وكان هذا بمثابة لحظة فاصلة فى حياته حيث تغير كل شىء تقريبًا، تلك اللحظة التى مازال يذكر تفاصيلها، والتى دفعه فيها حماس والده وتصفيق الجمهور له لاتخاذ قرار لم يفكر فيه يومًا، وهو أنه سيصير ساحرًا ويكمل مسيرة أبيه الذى لم يقدم أى عرض آخر منذ ذلك اليوم.
«كل العاملين فى السيرك القومى بيعشقوه لدرجة ماحدش يتخيلها رغم الظروف الصعبة، فأنا راتبى الأساسى 220 جنيهًا، والإضافى يصل لـ 650 جنيهًا، مع أن شغلى مكلف بسبب الأدوات والتجهيزات بس أنا بعوض الفلوس بالحفلات الخاصة اللى بعملها».. هكذا وصف عبدالسلام حال العمل فى السيرك، وأضاف أن الدولة أسقطته من حساباتها رغم تحقيقه إيرادات ضخمة للغاية.
يتطلب العمل كساحر بعض المقومات التى ستساعد صاحبها على النجاح فى تلك المهنة، أهمها أن يتم تربيته منذ الصغر لهذا الغرض، بحيث يبدأ كمساعد ثم يتدرج من خلال اكتسابه الخبرة من العمل اليومى ويصبح ساحرًا فى النهاية، كما يجب أن يتميز الساحر بامتلاك شخصية جريئة ومحبة للمغامرة، لأن الخطأ غير وارد الحدوث فى تلك المهنة، وإلا فقد مصداقيته لدى الجمهور، وكذلك عدم البوح بأسرار الألعاب التى يقدمها.
تزوج إبراهيم من إحدى العاملات فى السيرك، التى كانت تقدم فقرة ألعاب الهواء، وأصبحت زوجته فيما بعد، وهى مساعدته فى تقديم فقرة الساحر، ورغم عشقهما سويًا للسيرك، فهو يحلم أن يكون مستقبل أبنائهما مختلفًا عنهما، بحيث يكون بعيدًا عن السيرك الذى بات بلا مستقبل، خاصة أن عمله كساحر يعرضه وأسرته لبعض المواقف الغريبة النابعة من ثقافة المجتمع، مما دفعه للتنبيه على أبنائه بعدم البوح بمهنته فى المدرسة حتى لا يضايقهم الأطفال، كما يتعرض هو أيضًا لبعض المواقف السخيفة عند سفره، لأن المهنة فى البطاقة «فنان بالسيرك القومى» مما يدفع البعض للتساؤل بسخرية «أنت بتاع البطة؟، وبتطلع الكرة منين؟»، وأشياء من هذا القبيل.
وعن وجود ساحر حقيقى قال إبراهيم إنه يؤمن بأن الساحر الحقيقى يستطيع أن يحكم العالم، وبناءً عليه فلا يوجد ساحر حقيقى بالمعنى الحرفى للكلمة، وأن الأمر كله لا يتعدى مجرد ألعاب سحرية تعتمد على الخدع البصرية والتطور التكنولوجى، قائلًا: «لا توجد ثقافة سيرك نهائيًا فى مصر ومعظم الوطن العربى، لدرجة أننى أديت عرضًا فى إحدى الدول العربية فاعتقدوا أننى ساحر حقيقى وجابوا لى حالة بيعتقدوا إن جن مسها عشان أعالجها».
حلم واحد يراوده، هو أن يلقى الإعلام الضوء على عمل الساحر والسيرك بشكل عام، مؤكدًا أنه يتكبد معاناة كبيرة حتى يطور نفسه من خلال مشاهدة فيديوهات على يوتيوب، فلا يمكنه فعل شىء أكثر من ذلك، خاصة أنه كان يتمنى السفر للخارج للتعلم لمواكبة التطور الذى يسبق المصريين بما يفوق القرن من الزمن.
عم عشماوى قزم السيرك.. رحلة البهجة والألم.. بدأ حياته الفنية فى عمر الـ 7 سنوات وينفق على تقديم فقرة المهرج من ماله الخاص
مكان ملىء بالبهجة والألم فى الوقت نفسه، دخله هشام وهو طفل لم يتجاوز السابعة من عمره، حيث ولد عا 1963، والتحق بمدرسة السيرك عام 1970، ومنذ تلك اللحظة وهو مازال يعمل هناك.
وصف عم هشام عشماوى قزم السيرك نفسه فى بداية حديثه مع «اليوم السابع» قائلًًا: «7 صنايع والبخت مش ضايع»، حيث عمل فى أغلب فقرات السيرك منذ اللحظة الأولى التى وطئت قدمه المسرح.
يحكى عشماوى عن تاريخ عمله بالسيرك القومى قائلًا: «اتدربت على كل الألعاب الموجودة فى السيرك، من الأكروبات للميزان الطائر، بس فى النهاية استقريت على لعبة المهرج عشان شغل الأكروبات بيحتاج لمجهود كبير، وصحتى مابقيتش تستحمله»، وبعد أن حفر اسمه فى مهنة الأكروبات وكان القزم الوحيد حول العالم الذى يمارس تلك المهنة، استطاع بالفعل أن يتميز فى لعبة المهرج بشكل كبير.
وعن كيفية أدائه فقرة المهرج رغم أنه يكون مهمومًا مثل أى شخص طبيعى أحيانًا، يقول إن صعوبة تقديم مهنة المهرج تكمن فى اعتمادها على إضحاك الأطفال، وكل من يحضر للحفلات مهما كانت الحالة النفسية لمقدمها، مضيفًا: لذا تعلمنا داخل السيرك أنه لابد من الفصل بين الحياة الشخصية وحياة السيرك، وأنه بمجرد الدخول من بوابته يكون كل تركيزنا واهتمامنا عليه، وألا نشغل تفكيرنا بحياتنا العائلية، وكان الله يساعدنا دائمًا فى التغلب على تلك المشاكل ونسيانها خلال العرض، على أن نعود إليها مرة أخرى بمجرد انتهائه. يتعرض هشام للعديد من التعليقات على قصر قامته، واعتباره من الأقزام، إلا أن نشأته فى منطقة شعبية ساعدته على تخطى تلك التعليقات، والتعامل معها بسخرية وصدر رحب، وقال: «إحنا شعب بنحب نطلع القطط الفاطسة فى الناس وما بنعرفش نبص على نفسنا».
تزوج عشماوى من إحدى الفتيات التى كانت تعمل فى إدارة شؤون العاملين بالسيرك بعد قصة حب جمعت بينهما، وأنجبا أطفالًا يتمتعون بأطوال مناسبة، ويتقبلون فكرة تقزم أبيهم، وأصبح لديه أحفاد يفخرون بمهنة جدهم الذى طالما لعب معهم الكثير من ألعاب السيرك.
رغم عشقه للسيرك، فإنه لا يتمنى أن يعمل أحد أبنائه أو أحفاده به، فرغم أنه تجرع حب السيرك منذ نعومة أظافره.
رحمة أشرف.. بكالوريوس هندسة.. ورثت الـ «هيلاهوب» عن أمها وقدمت أول عرض وعمرها 12 سنة
لم تكن تعلم أن العالم يحتوى على أشياء أخرى سوى السيرك حتى ذهبت لتلقى تعليمها الأساسى فى المدرسة، لتكتشف أن السيرك جزء من العالم، فمنذ أن فتحت عينيها وهى ترى أمها وهى تمارس الـ«هيلاهوب»، والمهرج يقدم فقرته للأطفال، وآخر يقوم بتدريب الحيوانات، ولم تكن تعلم أن العالم يمكن أن تكون به تفاصيل أكثر من ذلك.
«اتولدت فى السيرك وأمى كانت بتمارس الألعاب الهوائية والهيلاهوب، وبدأت اتدرب عليها وأنا عندى 8 سنين وبعدها ماما رفضت فكرة إنى أقدم عروض، وفضلت بتفرج عليهم بس لمدة 4 سنين لحد ما قدمت أول عرض ليا فى عمر 12 سنة».. هكذا بدأت المهندسة رحمة أشرف حديثها لـ«اليوم السابع» عن نشأتها داخل السيرك، حيث كانت تحرص على حضور العروض التى تقدمها والدتها فى الـ«هيلاهوب» داخل السيرك، ورغم تدريبها على تلك الحركات فى سن صغيرة، فإن والدتها رفضت فكرة ممارستها المهنة تمامًا، وفضلت أن تهتم رحمة بدراستها من أجل الحصول على شهادة جامعية.
تحلم الأمهات دائمًا بأن يحصل أبنائهن على كل شىء لم يستطعن هن الحصول عليها، ولأنهن يفضلن دائمًا فكرة أن يكون أبناؤهن أفضل منهن، حرصت أم رحمة على أن تستكمل ابنتها تعليمها وألا تعمل فى السيرك أبدًا، إلا أن الصدفة هى ما قادتها للعمل فى نفس المهنة التى طالما عملت فيها الأم لسنوات طويلة، وهى تقديم فقرة الـ«هيلاهوب» فى السيرك القومى، لتقدم عرضها الكبير أمام عدد ضخم من الجمهور بكل ثقة وتميز وهى لاتزال طفلة صغيرة.
«كنت بحضر عروض السيرك أنا وأخويا، وفى مرة عملت حركة بهلوانية فاجأت ماما فقررت تعلمنى المهنة».. تلك كانت تفاصيل الصدفة التى دفعت والدة رحمة لتعليمها أصول المهنة، رغم حرصها على أن تستكمل ابنتها دراستها وتهتم بها جيدًا، وبعد مرور شهر واحد فقط من التدريب تم تشكيل لجنة من اللاعبين للحكم على قدرة رحمة فى تقديم عرض من عدمه، وبالفعل قدمت كل الموسم الصيفى بعده.
وعن إحساسها أثناء تقديم العروض، قالت إنها لم تكن تشعر بالرهبة من ممارسة اللعبة ومخاطرها فقط، ولكن كان يزيد تلك الرهبة خوفها من الجمهور، لكنها استطاعت أن تكتسب الثقة فى نفسها بمجرد رؤيتها لمزيج الفرحة والخوف الموجودين فى عيون الجمهور أثناء تقديمها للعرض، خاصة أنها تفضل اللعب فى الهواء دون استخدام حزام للأمان، ولكن خوفها الأكبر الذى يسيطر عليها كلية هو أن تستيقظ فى يوم ما لتجد أن السيرك قد تم إغلاقه أو انقرض ولم يعد موجودًا.
«السيرك مش مجال ولا فن..السيرك حياة».. تلك الجملة التى وصفت بها رحمة، لاعبة الـ«هيلاهوب» التى حصلت على بكالوريوس الهندسة من جامعة عين شمس، والتى قررت العمل فى السيرك الذى تحبه أكثر من مجال دراستها رغم تفوقها الملحوظ، الأمر الذى كان لأمها فيه دور كبير، وعن زملائها من المهندسين، تقول إنها تقدم لهم الدعوات دائمًا لمشاهدة عروضها فى السيرك القومى، الأمر الذى يسعدهم كثيرًا.
وعن حياتها الخاصة، تقول إنها مرت يومًا ما بتجربة خطبة من السيرك، ولكن شاءت الأقدار أن تنتهى تلك التجربة سريعًا، مع رفض والدها الشديد الذى يعمل فى مجال السياحة، والذى تحدث مع والدتها عن الأمر، قائلًا: «أنا مش موافق.. أنت هتخليها طول عمرها فى السيرك».
حرصت رحمة على ترك بصمتها الخاصة على العروض، فكانت تبحث دائمًا عن كل ما هو جديد فى الملابس التى يمكن أن ترتديها خلال تقديها للعرض، وكانت والدتها تشاركها فى ذلك من خلال تنفيذها الملابس بنفسها.
واختتمت حديثها قائلة إنها تحلم بالسفر إلى خارج، خاصة روسيا، لاحتراف الألعاب الهوائية، لكنها تنتظر الفرصة المناسبة التى يمكن أن تساعدها على السفر، وتجعل منها فنانة عالمية فى المجال الذى أحبته وفضلته على الهندسة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة