قال الكاتب عمرو عاشور، فى ذكرى رحيل صاحب نوبل الـ11، إن الموهبة وحدها لا تكفى لأن تكون عظيمًا، بالتأكيد هناك عوامل أخرى تجعل من الشخص الموهوب قامة تستحق الخلود والتقدير، أعتقد أن نجيب محفوظ أدرك تلك العوامل، وسعى خلفها بدأب حقيقى، فـ نجيب الذى بدأ مشواره الأدبى بمشروع عظيم حيث كان يطمح فى أن يسجل تاريخ مصر القديم والحديث فى أعمال روائية، وقد شرع بالفعل فكتب رادوبيس وعبث الأقدار وكفاح شعب مصر، وهى روايات لم تحقق أى نجاح إذا ما قرنت بأعمال أدباء جيله، ففى الوقت الذى هزت فيه رواية "يوميات نائب فى الأرياف" لتوفيق الحكيم العالم بأسره كانت روايات محفوظ مركونة بالمخازن لا تجد من يلتفت إليها، ربما لذلك عدل محفوظ عن مشروعه واتجه إلى الحارة المصرية، وهنا يظهر أهم عامل فى النجاح: المرونة، والتخلى عن الخطأ. ثم إن هناك عاملا آخر: الانضباط. تلك هى أزمة الكاتب، فالكاتب مدير نفسه وإن لم يتعامل مع الكتابة بجدية تامة لن يكون كاتبا أبدا.
ولذلك فإن نجيب اشتهر بالانضباط فللكتابة مواعيد محددة تبدأ من الثامنة وتنتهى فى الثانية ظهرًا كأى وظيفة، وقد حافظ على هذه العادة حيث كان يستيقظ فى السادسة صباحًا ويمشى من العجوزة إلى وسط البلد، ويجلس على المقهى ليواصل عمله بهمة، لم يتغيب يوما أو يتكاسل، كان دقيقا كساعة، لذا فقد أطلقوا عليه الموظف الهمام، ربما هذا ما تحتاج إليه الكتابة.
أما عن سر تفرد نجيب بحق فأعتقد أنه يرجع إلى التنوع، الأدب، وخصوصا الرواية فن فى غاية التنوع والرحابة، الأمر يشبه الحديقة ذات الأشجار المختلفة والروائى كما قال أسامة الديناصورى يجب أن يكون مزارعا وحطابا وطالع نخل. ونجيب لم يترك فرعا من فروع الرواية إلا وتطرق إليه، لذا فقد كتب الرواية التاريخية، الاجتماعية، السياسية، البوليسية، أدب الرحلات، السيرة الذاتية، الفلسفية. هذا الثراء أثرى المكتبة العربية بأعمال ستظل خالدة، تحمل من الرقى والقيمة الانسانية والفنية ما يؤهلها لأن تكون مرجعا دائما لمحبى الأدب.