كان نجيب محفوظ زاهدا فى الجوائز، ولم يفكر فى نوبل، وكان يرى أن هناك من يسعى لها بشكل مرضى، وكان يلمز عددا من المبدعين العرب الذين كانوا يتهافتون ليطلبوا من جهات أكاديمية أن ترشحهم للجائزة، ومع هذا لم يخفِ محفوظ سعادته بالحصول على نوبل، ورأى أنها ساهمت فى تعريف العالم بالأدب العربى.
كان محفوظ فى الواقع يشير إلى تناقضات هؤلاء الذين هاجموه لحصوله على نوبل، ويتهافتون لنيلها، ويقول: لم يصبنى الحزن والإحباط بسبب الهجوم الذى تعرضت له من بعض أدبائنا، وعلى رأسهم الدكتور يوسف إدريس.
وفيما يتعلق بالادعاءات أن محفوظ حصل على نوبل بفضل الصهيونية العالمية، قال نجيب فى مذكراته التى سجلها رجاء النقاش: الصهيونية العالمية التى تحدث عنها إدريس وغيره أعطيناها كمثقفين عرب أكثر من حجمها، وجعلنا منها إلها قادرا على كل شىء، وأنها تصنع التاريخ والحاضر والمستقبل، وتدير عجلة الكون، فى حين أنها عبارة عن جماعة من اليهود لديهم الثروة والذكاء والقدرة على الدعاية.
ويتساءل نجيب محفوظ ساخرا: «هل بلغت السذاجة بالصهيونية العالمية لأن تسعى من أجل منح أديب عربى جائزة كبرى بهذا الحجم والوزن لترفع من شأن العرب، وتلفت أنظار العالم إليهم وإلى أدبهم، مع أنهم عدوها الأول، ثم يتحدث ساخرا: أتصور أن الصهيونية التى تحدث عنها إدريس ضحكت فى سرها على كلامه، كما ضحكت لجنة نوبل».
والواقع أن نجيب محفوظ لم يتوقف عن السخرية من تناقضات خصومه، مع أنه كان يلتمس لهم الأعذار، مشيرا إلى أمراض متوطنة بين المثقفين، وكان يفضل أن يشير إلى أن المثقفين ليسوا فقط هم الأدباء، ويقول: فوزى بجائزة نوبل للأدب كان له صدى طيب عند المثقفين على الإجمال، وأعنى اللفظ الشامل للمثقف ولا أقصره على الأدباء والمفكرين، فهو يشمل الأطباء والمهندسين والزراعيين وأساتذة الجامعات، ولا توجد هيئة فى مصر لم تحتفل بهذا الفوز وتسعى لتكريمى، بما فى ذلك نادى القضاة الذى منحنى عضويته الشرفية.
وبالطبع حصل نجيب محفوظ على قلادة النيل، وتسلمها من الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فى احتفال بدار الأوبرا، وللمفارقة، تأتى ذكرى رحيل نجيب محفوظ، لتفرض قضية قلادة النيل نفسها، فقد خرجت ابنة الروائى الكبير فى حديث تليفزيونى بمناسبة ذكراه، تحدثت فى أمور كثيرة تخص والدها، وأعلنت أن القلادة التى حصل عليها والدها ليست من الذهب، وإنما من الفضة المطلية بالذهب، وركز الجميع بالطبع على موضوع القلادة، وتجاهلوا باقى الحديث، ومع أن الأمر لم يثر فى حياته، وكان زاهدا مستغنيا، لكنه أثار جدلا، وهل بالفعل هناك جهة زيفت قلادة النيل؟
الطرف الوحيد الذى رد موضحا موضوع القلادة، كان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، الذى قال: إن قلادة النيل العظمى التى مُنحت إلى الأديب الكبير نجيب محفوظ، لم يكن فيها تدليس، ولم يتم تزويرها، وقال حسنى فى تصريحات تليفزيونية: إن «قلادة النيل» يوجد بها نوعان الأول فضة مطلى بالذهب، تمنح للشخصيات المصرية، والثانية ذهب خالص وتمنح لرؤساء وملوك الدولة الأخرى، لكنهما متساويان فى القيمة، ويقول وزير الثقافة الأسبق: إن ذلك مسجل فى الوثائق الموجودة بقسم المراسم برئاسة الجمهورية. توضيح فاروق حسنى مهم فى نفى وجود تلاعب، لكن ربما كان هناك حاجة لأن يصدر بيان رسمى بالرد من وزارة الثقافة يتضمن ما هو مسجل بالفعل، ولا نظن أن محفوظ كان يسعده إثارة الموضوع بهذه الطريقة فى ذكراه، لأنه دائما ما كان يزعجه ازدواجية المثقفين المزيفين أكثر من نوع القلادة.