لم يكن 11 سبتمبر يوماً أسوداً فى تاريخ أمريكا فقط، بل أشد سواداً للعرب والمسلمين، وانفتحت بوابة جهنم على المنطقة، وهبت عليها رياح من نار ودخان، ما زالت الشعوب تدفع ثمنها حتى الآن، جثثاً وقتلى ودماء وخرابا، وهدمت بلداناً وهُجر سكان وروع آمنون، وكأنه فيلم «يوم يسود الوحوش»، فى غابة كبيرة تحرقها النيران، ويقتل فيها البشر أنفسهم، دون قانون أو دولة أو سلطة.. وانظروا لما يحدث فى سوريا وليبيا والعراق واليمن.
لا أستبعد أن تكون مؤامرة مخططة بعناية، رسم خطوطها أبالسة من جهنم، ونفذها «الأغبياء» أعضاء الجماعات الإرهابية التى ألحقت أشد الأذى بالإسلام والمسلمين على مدى التاريخ.. مؤامرة لتبدأ البشرية حرباً عالمية من نوع جديد، بدأت جولاتها بغزو دول الشياطين فى أفغانستان والعراق، ولا ندرى لماذا هاتان الدولتان بالذات، بينما يرعى الإرهاب والإرهابيون فى مناطق أخرى أشد خطورة، مثلاً إيران التى تعتبرها أمريكا الشيطان الأكبر، لم تدخل زمام الحرب، ولم تطلق نحوها رصاصة.. وفى تطور لاحق تحولت إلى حليف سرى لواشنطن، ونالت الرضا بالاتفاق حول البرنامج النووى، والإفراج عن الودائع الإيرانية فى البنوك الغربية.
لماذا أفغانستان هى الضحية الأولى؟.. لأن أمريكا تعرف كل شبر فى خريطتها منذ دخولها لمقاومة الغزو السوفيتى.. تحفظ الطرق والكهوف والوديان، وتعرف أسماء الإرهابيين وأماكن تواجدهم، ومن بينهم جواسيساً تم تدريبهم ودسهم، ليكونوا أعيناً للمخابرات الأمريكية، وتحولوا من جواسيس ضد السوفيت، إلى العمل ضد الجماعات والتنظيمات الإرهابية التى ينتمون إليها، وكان من الطبيعى أن تكون الضربة الأمريكية الأولى لترويع الشياطين هى أفغانستان.
ولماذا العراق؟.. لأنه آن الأوان للقضاء على صدام حسين، الذى انتهى دوره التاريخى بانتهاء الحرب العراقية الإيرانية، ولكنه أراد البحث عن حرب أخرى وميدان جديد، فاتجه إلى الكويت وهدد السعودية، ولم يكن كافياً تكسير عظامه بعد طرده من الكويت، وتقليم أظافره وخلع أنيابه، ومنع طيرانه الحربى من التحليق فى الأجواء.. لم تكتف أمريكا بأنه صار نمراً من ورق وقائد يسير بعكازين.. لابد من إهانته وقتله والتمثيل بجثته ليكن عبرة وعظة.
والتاريخ كما يصنعه الأبطال، يشارك فى صنعه الأغبياء.. والعرب كانوا أغبياء لأنهم تصوروا أن الجهاد فى أفغانستان فريضة إسلامية، وبعد انتهاء الحرب بحث الإرهابيون عن جبهات جديدة، حتى لا يظلوا بلا عمل، فعادوا إلى بلادهم وبحثوا عن بلداناً أخرى، وتجسدت المأساة فى الحروب الإرهابية الأولى فى الثمانينيات.. وكلها كانت من توابع زلزال 11 سبتمبر.
ظن العرب أن الإرهاب طالما ابتعد عن بلدانهم، فهو بعيد عنهم ولا يهددهم، واعتبروه نوعا من الاحتجاج على الظلم الاجتماعى وعدم المساواة، ولم يدركوا خطورة سذاجتهم إلا بعد أن اقتحم الإرهاب بلادهم واقترب من غرف نومهم.. والإرهاب فى صورته الجديدة أحد توابع 11 سبتمبر، حيث فجرته واشنطن بطريقة الاشتعال الذاتى «دعهم يقتلون بعضهم، ويحرقون أنفسهم، ويغتصبون نساءهم»، فأعادوا إلى الحياة أسوأ العصابات الدينية فى التاريخ، وألبستها ثوب داعش والنصرة وغيرها من المسميات الغربية.
كانت واشنطن تستعد قبل 11 سبتمبر، لإطلاق برنامج حرب النجوم، لمواجهة الخطر المقبل من جنوب شرق آسيا، وتحديداً كوريا الشمالية والصين وربما فيتنام، فهذه الدول تكبح جماح شعوبها وتحقق معدلات نمو غير مسبوقة، وتبنى قوتها الذاتية، وستتحول إلى نمور شرسة، جرَّب الغرب بعض عنفها فى الحرب العالمية الثانية.. فهم الخطر القادم ويجب إعداد العدة لمواجهتهم.
11 سبتمبر قلبت الموازين وتأكدت أمريكا أن الخطر القادم هو «الكهوف» وليس «النجوم»، التى يختبئ فيها الإرهابيون، ويظهرون ويختفون ويبتكرون وسائلاً غير تقليدية، فحولوا الطائرات المدنية التى تنقل الركاب إلى صواريخ باليستية تدمر برجى التجارة، وتهدد أكبر دولة فى العالم بالفناء.. وعادت استراتيجية الدفاع الأمريكية إلى القرون الوسطى، تستنبط منها أبشع وسائل الحرب والجرائم الإنسانية.
وما زالت المنطقة تدفع ثمن مغامرة 11 سبتمبر، فالإرهابيون الذين هدموا برجى التجارة، هم أنفسهم الإرهابيون الذين حرقوا المسجد الأموى ودمروا دمشق وحلب وبغداد، وتركوا بلادهم الرائعة أنقاضاً وخراباً، بأيدى من يطلقون على أنفسهم «مسلمين» ولا يعرف أحداً حتى الآن، من الذى سيطلق الرصاصة الأخيرة فى تلك الحروب.
الربيع العربى كان العقوبة التى فرضتها الولايات المتحدة على المنطقة، انتقاماً لما حدث فى 11 سبتمبر.. العقاب من جنس العمل.. فتنظيم القاعدة الذى خطط ودبر للحادث، أعيد إنتاجه فى شكل جديد، مع نفس المحتوى والمضمون.. إرهابيون أعمى الله عيونهم وأغشى على قلوبهم، ولا يفرقون بين برج ومسجد، ولا بين عدو وصديق، ولا بين الجيوش التى تقتلهم والمدنيين أبناء وطنهم، فالكل عندهم كفاراً ومرتدين.. هكذا نزعت عقولهم وحل محلها فكر القتل والحرق والتخريب، فتحولوا من كائنات بشرية، إلى حيوانات شرسة.
كل الجراح التاريخية تندمل بمرور الوقت إلا 11 سبتمبر، فأحداثه قلبت الموازين وغيرت الاستراتيجيات، وأدخلت المنطقة فى نوع جديد من الحرب العالمية، حرب وقودها الشعوب أنفسهم، ويأكلون بعضهم «كالنار التى تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله».. ولكن بقى السؤال: ما ذنب الدول والشعوب التى لم تدعم الإرهاب، وربما كانت من ضحاياه؟
11 سبتمبر ألبست أمريكا نظارة سوداء، جعلتها تفقد الرؤية فلا ترى الأشياء على حقيقتها، وإنما كما تريدها أن تراها، واختلطت رغبات الانتقام مع جنون القوة مع غطرسة القادة، فأنتجت خليطاً من النابالم الحارق، الذى يصيب الأبرياء قبل المذنبين، ويعاقب من لا ذنب لهم، بنفس عقوبة من ارتكبوا الجريمة.
الدرس الذى لم تستفد منه أمريكا، ولا العرب ولا المسلمون ولا الأصدقاء ولا الأعداء، هو «إذا ربيت وحشاً فسوف يقتلك أولاً».. وينساق الجميع فى تربية الوحوش، ظناً منهم أنها لن تصيب إلا أعداءهم، ولا تريد أمريكا الاعتراف بأن الذين هددوها بالدمار فى 11 سبتمبر.. هم من تربيتها.