هو سيد رغما عن الجميع، سيد من سبه وسيد من أحبه، أحب مصر وأدخلها فى عظامه وأوردته، حتى أحبته مصر وأدخلته فى نخاعها، هو صاحب الشفرة الوجدانية للمصريين جميعا، بيننا وبين ألحانه ألفة وتاريخ، لا تحتاج إلى مبررات لحبه ولا إلى شرح كيفية حدوث هذا الحب، حب سيد درويش من الإيمان بالوطن، بالحب، بالحق، بالحرية، ولد منذ أكثر من قرن، ومات منذ ما يقرب القرن أيضا، لكنه مازال حيا فى وجداننا، فى أغنياتنا، فى شفاهنا، فى صدورنا، فى أحلامنا، ليس صدفة أنا يعيش كل هذا العمر، لكنها الفطرة المصرية هى التى أحيته، ويشاء الله أن يكيد بسيد درويش الآن وبعد وفاته بما يقرب القرن كل المنسحقين حضاريا، والمتصهينين فكريا، تماما كما كان يكيد به فى حياته كل خونة الوطن وأعداء الاستقلال، واليوم ذكرى وفاة السيد الـ 94، واليوم أيضا تتجدد المعجزة.
منذ قرن من الزمان أطلقها مدوية، «سيبونى يا ناس فى حالى فى حالى أروح مطرح ما أروح» لكن الناس لم يتركوه، مرة يدعون أنه اقتبس بعضا من ألحانه، ومرة يدعون أنه لم يكن شرقيا كما ينبغى، وغالبا ما ترتبط كلمة الناس فى وعينا بالنميمة، بالغوغائية، بالتصيد والترصد، خلافا لكلمة «إنسان» التى ترتبط فى وعينا بالرقى والتحضر والتسامى، وحقا.. بعض الناس إثم، بعض الناس جرم، بعض الناس شر محض، بعض الناس ذباب، لا يتقن إلا محاولة إفساد كل حلو، كل مليح مثل هذا «السيد درويش» يريدون هدم هذا الكيان الواضح المدهش الخلاب، ولا يريدون فى الحقيقة سوى هدم كل ما هو مصرى خالص، خيانة أخرى تضاف إلى أنواع الخيانات التى نشهدها الآن، حرب تاريخية على مصر ومصر أكبر من كل المزيفين، ومصر أعلى من هذه الحشرات التى لا تستحق إلا «المبيد».
انتشرت الأكاذيب، وتناثرت الخرافات وتنوعت الاتهامات، واقتباسا من قول الفنان «صلاح علام» ردا على مهاجمى السيد درويش، فإن الرجل لم يفعل شيئا سوى أنه ولد ولحن ثم مات، ولم يدر بخلده يوما أنه سيسبب للحاقدين كل هذه الالتهابات المزمنة، وفى الحقيقية فإنى برغم إعجابى بمقولة «علام» فإنى لا أتوافق تماما معها، فقد كان «السيد» مدركا تماما لما يفعله، فهو بالنسبة لى قاطع طريق مقتدر، قطع طريق التزييف بالصدق، قطع طريق الانسحاق بالوطنية المبهرة، قطع طريق الخيانة بالإخلاص، قطع طريق الادعاء بالنبوءة، قطع طريق الغيبوبة باليقظة، لماذا لا يكرهه المزيفون المنسحقون الخائنون المدعون المغيبون؟