انطوت استراتيجية أوباما على أبعاد ومفاهيم جديدة تختلف عن مفاهيم حقبة بوش فهى أول استراتيجية أمن قومى تعترف بتعقد التحديات التى سوف تواجهها الولايات المتحدة فى القرن الحادى والعشرين، وتجمع بين ثنائية تعزيز الأمن والرخاء الأمريكى. وتعترف الاستراتيجية بأن بيئة اليوم لا يتحكم بها تهديد واحد، ولكن خليطا معقدا من التحديات والفرص على النطاق العالمى، فبالإضافة إلى الصراعات المسلحة التقليدية والهجمات الإرهابية، اعترف الرئيس أوباما «وفقا لما جاء فى تقارير المحابرات الأمريكية» بأن القضايا غير التقليدية مثل التغير المناخى، والأوبئة وغزو الفضاء والدبلوماسية والعلم والتكنولوجيا والطاقة والقيم العالمية وتحديات استغلال المشاعات العالمية، سوف تكون أساسية فى حفظ الأمن القومى الأمريكى فى القرن الحادى والعشرين، فضلا عن اعترافه بأن العولمة تقود إلى عالم متعدد القطبية، ستكون فيه القيادة الأمريكية قوة رئيسية فى تعزيز الأمن القومى الأمريكى. كما أنها تعتبر الحلفاء والشركاء والائتلافات عناصر ضرورية لمواجهة القضايا التهديدات العالمية.
وبهذه الطريقة، كما تقول الباحثة مروة محمد عبدالحميد عبدالمجيد فى دراستها التى حملت عنوان «التغير والاستمرار فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر»، أعاد الرئيس أوباما النظام الدولى الذى تم إنشاؤه وحمايته بواسطة الأمريكيين لعقود عديدة إلى مركز استراتيجية الأمن القومى الأمريكية وتذهب الباحثة مع هذا الاتجاه، حيث إن استراتيجية الرئيس أوباما تمثل مفارقة جوهرية عن استراتيجية الرئيس بوش، حيث إنه قد أحدث نقلة فى استراتيجية الأمن القومى من العسكرة إلى الاهتمام بعناصر القوة الشاملة والتأكيد على العلاقة العضوية بين المكون المحلى والمكون العالمى فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكى، ولأول مرة يحتل المكون العالمى «المؤسسية والقانونية والنظام الدولى»، هذا الحيز الكبير فى استراتيجية أمن قومى أمريكية، إلى حد يمكن القول معه، إنه يتم عولمة الأمن القومى الأمريكى، ليصطبغ بالصبغة العالمية، وتصح استراتيجية الأمن القومى الأمريكى 2010 أن تكون استراتيجية للأمن العالمى تحت القيادة الأمريكية، خلاصة القول قد خرجت استراتيجية أوباما من أثر 11 سبتمبر، وبدأت تتفاعل مع حالة الوضع العالمى برمته، وتنظر إليه ليس بعدسات 11 سبتمبر، وإنما بنظرة واقعية متحررة من أثر الأيديولوجيا والضغوط النفسية التى فرضت نفسها على حقبة بوش.
طرحت هذه الاستراتيجية ما يسمى بخطة أوباما بيدين للطاقة الجديدة الشاملة بأمريكا، وتهدف هذه الخطة إلى المساعدة على إيجاد خمسة ملايين وظيفة جديدة عبر الاستثمار الاستراتيجى لمبلغ 150 مليار دولار على مدى السنين العشر التالية عليها لتحفيز الجهود الخاصة الهادفة إلى بناء مستقبل لطاقة نظيفة، وتوفير كميات من النفط فى غضون 10 سنين تفوق ما نستورده حاليا من الشرق الأوسط وفنزويلا مجتمعين وطرح مليون سيارة هجينة وهى سيارات يمكنها أن تقطع 240 كم/ بحلول 2015 وضمان إنتاج 10% من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2012، وأن تصل تلك النسبة إلى 25% بحلول عام 2025 وتخفيض الانبعاثات الغازية بنسبة 80% بحلول 2050.
التحول من الأيديولوجيا إلى القانون والمؤسسية على خلاف حقبة الرئيس بوش التى طغى فيها التصور الأيديولوجى واليوتوبى على الواقع وعلى استراتيجية الأمن القومى، فإن استراتيجية الأمن القومى 2010 جعلت الحقائق أو الواقع هو الأساس فى نظرتها للأمن القومى، وأكدت على رؤية العالم كما هو، وتشير استراتيجية 2010 إلى أن حروب الأيديولوجيا أفسحت الطريق لحروب الهويات الدينية والإثنية والقبلية.
وبالمقارنة بين استراتيجية أوباما واستراتيجيتى بوش فيما يتعلق بلغة القانون، يتضح تأثير أوباما فى الرؤية الأمريكية للعالم، فالرئيس أوباما يرى العالم على نحو منظم، وبشكل قانونى ودستورى، ويؤكد على دور المنظمات الدولية بخلاف الرئيس بوش الذى كان مدفوعا بنظرة أحادية يحركها هدف المواجهة مع عدو غير مادى هو «الإرهاب» ولم تكن رؤية الرئيس بوش تعطى اهتماما للقانون الدولى، حيث إن القوة الأمريكية فوق القانون، لكن استراتيجية أوباما أكدت على حقوق الإنسان على نحو الذى ورد فى الوثائق العالمية، ولم تتضمن لغة هجومية تدخلية على نحو ما جاءت به استراتيجيتا بوش، ويمكن القول إنه مثلما كان جوهر وقلب استراتيجية بوش هو «الحرب على الإرهاب»، فى ظل سيطرة حالة عقلية تهيم فى «الفوضى واللانظامية»، فإن جوهر وقلب استراتيجية أوباما يتمثل فى «المؤسسية والنظامية والدستورية».
وقد كانت «الحرب على الإرهاب» مسيطرة بشكل كبير على المفاهيم التى تضمنتها استراتيجية بوش، بينما أعادت استراتيجية أوباما الإرهاب إلى حجمه الطبيعى دون تهويل أو تهوين، وأعادت رؤية الواقع الدولى كما هو من دون اندفاع وراء قراءة خاصة فرضها حدث إرهابى، وإذا كانت إدارة أوباما قد أعلنت استمرار دعمها لبعض المبادئ التى أطلقتها إدارتا بوش، ولو لفظيا، مثل تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون، فإنها تتعامل معها ليس لدورها فى الحرب على الإرهاب بالأساس وإنما لكونها جزءا من القيم الأمريكية والعالمية، ولأدوارها الوظيفية فى دعم الاستقرار والأمن، ولأن الحكومات التى تحترم هذه القيم هى حكومات أكثر عدلا وسلاما ومشروعة، ولأن نجاحها فى الخارج يعزز بيئة تدعم المصالح الوطنية الأمريكية، ولأن النظم السياسية التى تحمى الحقوق العالمية هى فى نهاية المطاف أكثر استقرارا ونجاحا وأمنا. غدا إن شاء الله نواصل طرح الخطط الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط.