أكثر ما لفت انتباهى فى الانتخابات البرلمانية، التى ستجرى بألمانيا 24 سبتمبر الجارى، والتى تشهد منافسة قوية بين الاتحاد الديمقراطى المسيحى، الذى تقوده المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والحزب الاشتراكى الديمقراطى، الذى ينتمى له منافسها مارتن شولتز، دراسة أجريت بتكليف من شركة R+V للتأمين انتهت إلى أن الإرهاب يشغل المرتبة الأولى ضمن مخاوف الألمان.
الدراسة التى دارت حول ماهية المخاوف التى تمتلك الناس فى ألمانيا، أكدت أن خوف الألمان من الإرهاب لا يزال يحتل المركز الأول فى ترتيب المخاوف الألمانية، وأن 71% من نحو 2400 شخص شملهم استطلاع فى إطار الدراسة يشعرون بأنهم مهددون من قبل الإرهاب، أى بتراجع نقطتين عن الرقم القياسى الذى بلغه هذا الخوف عام 2016، لكن معدى الدراسة أكدوا وفقاً لتقارير إعلامية ألمانية أن هذه النسبة لا تزال مرتفعة جدا.
ووفقاً للدراسة أيضاً، فقد احتلت مخاوف الألمان من التطرف السياسى المركز الثانى، حيث بلغت نسبة 62%، ثم التوترات التى من الممكن أن تحدث جراء استقدام الأجانب، وذلك بمعدل 61%، تلاها ارتفاع التكاليف المالية جراء المديونية لدول الاتحاد الأوروبى بمعدل 58%، وقالت الدراسة: إن الألمان يخشون أيضا وجود مواد ضارة فى قائمة الأطعمة التى يتناولونها بمعدل 85 %، فيما عبر 50% مخاوفهم من الغلاء المتصاعد لتكاليف المعيشة.
المعلومة الأخرى المهمة أن هذه الدراسة استطلعت آراء المشاركين فى الدراسة قبل هجمات برشلونة، وبعد عدة أسابيع من حادث الدهس الذى نفذ بسيارة شحن فى منطقة مشاة بلندن، أخذاً فى الاعتبار أن أنيس العمرى قتل 12 شخصا بشاحنة أواخر عام 2016 فى برلين.
المهمة بالنسبة لى هو توقيت صدور هذه الدراسة، الذى جاء فى وقت تشتعل المنافسة بين الحزبين الأكبر فى ألمانيا للحصول على الأغلبية البرلمانية، حتى وإن كانت كل استطلاعات الرأى تذهب إلى احتفاظ حزب ميركل بالأغلبية، لكن يبدو أن هناك رغبة لدى السياسيين الألمان للعب على وتر الإسلام والمسلمين فى محاولة للحصول على أصوات الناخبين، تماماً كما فعل دونالد ترامب فى خضم الانتخابات الأمريكية، حينما شن هجوماً شديداً على المتطرفين، وقدم نفسه للأمريكان باعتباره المنقذ لهم من الإسلام المتطرف، وهو ما حدث أيضاً فى العديد من البلدان الأوربية، ويحدث الآن فى ألمانيا، التى شهدت قبل عام تقريباً جدلاً كبيراً بشأن قبول لاجئين سوريين، ومدى تأثير ذلك على الأمن فى ألمانيا.
بطبيعة الحال فإن الإرهاب والتطرف السياسى فى أوروبا بشكل عام مرتبط بالإسلام، وهو ارتباط كثيرا ما حاولت الجاليات المسلمة فى أوروبا أن تنفيه، لكن للأسف الشديد تسببت جرائم تنظيمات إرهابية مثل الإخوان وداعش وغيرها فى استمرار لصق صفة الإرهاب بكل مسلم، ومهما حاولنا فإن هذا الاتهام الظالم سيظل ملتصقاً بنا، خاصة أن كل الأحزاب والتيارات السياسية حالياً فى أوروبا تحاول اللعب على وتر الإسلام والتطرف لكسب أصوات الناخبين.
من ينظر لتاريخ أوروبا سيجد أن الإسلام ساهم كثيراً فى النهضة التى شهدتها القارة العجوز، وعلى سبيل المثال إذا أخذنا ألمانيا كمثال سنجد أنه بسبب هجرة العمالة فى الستينيات ووفود العديد من اللاجئين السياسيين منذ السبعينيات أصبح الإسلام ديناً واضحاً هناك، كما استقر المسلمون بأعداد كبيرة، عندما استعانت ألمانيا بالعمالة التركية للمساهمة فى إعادة بناء ألمانيا فى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويعيش فى ألمانيا حسب التقديرات 4.3 ملايين مسلم، أى أكثر من 5% من السكان، ونصف هؤلاء تقريبا مواطنين ألمان، فيما يملك الباقون جوازات سفر أجنبية، ووفقاً للكثير من الدراسات، فإن المسلمين يتركزون فى المدن الصناعية الكبرى وفى مدينة برلين، التى تقول التقديرات: إن أكثر من 220 ألف مسلم يعيشون بها، كما تشير التقديرات الرسمية إلى وجود 2500 مصلى فى ألمانيا الكثير منها ما هو عبارة عن مجرد غرفة لأداء الصلاة، ويوجد فعليًا 147 مسجد حالياً، كما يوجد حوالى 400 هيئة ومؤسسة إسلامية، وعشرات من المراكز الإسلامية.
إذن الإسلام والمسلمون موجودون منذ فترة فى ألمانيا، ولم يثبت مطلقاً تورط الجالية المسلمة فى أى من العمليات الإرهابية، فلماذا الحديث الآن عن مخاوف من الإسلام والمسلمين؟ أعتقد أن هذا الأمر مرتبط بشيئين، الأول أن مخاوف الألمان من انتشار التطرف فى أوساط المسلمين برزت بشكل كبير بعد أحداث 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة، وبعد تعرض مدريد ولندن لضربات تنظيم القاعدة، أخذاً بعين الاعتبار أن منفذى أحداث سبتمبر قد جاءوا من ألمانيا، فيما يعرف بخلية هامبورج، وبالتالى زاد القلق لدى الألمان من أن يكونوا عرضة للخطر، خاصة أن نسبة المسلمين ليست بالقليلة.
الأمر الثانى من وجهة نظرى، هو الاستخدام السياسى من جانب رئيس تركيا رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية للجالية المسلمة فى ألمانيا لتحقيق مصالح خاصة برئيس تركيا، مع التركيز بشكل كبير على وجود قيادات الإخوان الإرهابية المقيمين فى ألمانيا، وهو الأمر الذى أثار مخاوف لدى الحكومة الألمانية، خاصة بعد تصريحات وتصرفات أردوغان الأخيرة التى تتعامل مع مسلمى ألمانيا باعتبارهم تابعين لتركيا، ومن حقه أن يوجههم إلى الوجهة التى يختارها هو، وهو ما ظهر فى الأزمة الأخيرة بين تركيا وألمانيا، حينما حاول أردوغان أن يستغل الجالية المسلمة للضغط على حكومة ميركل.
من يتتبع أوضاع المسلمين فى ألمانيا على سبيل المثال، سيتأكد أن النظرة السلبية تجاههم نابعة عن وجود الإخوان وأيضاً ارتباط بعضهم بتركيا أرودغان، وهو ما يدفعنى للتساؤل إذا كان الوضع كذلك، فلماذا تسمح ألمانيا بوجود الإخوان على أراضيها وأيضاً رجال أردوغان؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة