البحث عن يوم الخميس.. الأفراح والعلاقات الزوجية فاكهة «ليالى الخميس».. «الليلة يا عمدة».. و«ياولاد بلدنا يوم الخميس هاكتب كتابى وأبقى عريس» أشهر الأغنيات والشعارات.. وسيظل عيداً أسبوعياً ومولداً لطاقة الإنسان

الخميس، 14 سبتمبر 2017 11:15 ص
البحث عن يوم الخميس.. الأفراح والعلاقات الزوجية فاكهة «ليالى الخميس».. «الليلة يا عمدة».. و«ياولاد بلدنا يوم الخميس هاكتب كتابى وأبقى عريس» أشهر الأغنيات والشعارات.. وسيظل عيداً أسبوعياً ومولداً لطاقة الإنسان الأفراح والجنس والحشيش.. فاكهة «ليالى الخميس»
كتب وائل السمرى – أحمد إبراهيم الشريف – حازم حسين – أسماء زيدان – إسراء عبد القادر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نشتكى من أن أيامنا تشبه بعضها ومعنا حق، من أن الحياة لم تعد كما كانت.. معنا حق، من أن الضغط العصبى أصبح مهيمنًا على إيقاع حياتنا.. ومعنا حق أيضًا، لكن العيب بالطبع ليس فى الأيام، فأيامنا كالصفحات البيضاء، نلونها بما نشاء، نرسمها «على كيفنا»، نزرع فيها ما نريد، نطل فيها على ما نريد، وليس ذنب الأيام أنها لا بطعم أو لون، بل ذنبنا نحن الذى تركناها يتيمة، لم نميزها بميزة تجعلها سببًا فى السعادة، ولا نعطرها بأريج المحبة فنشتاق إليها وإلى رائحتها. هنا نحن نبحث عن يوم الخميس، ذلك اليوم الذى كان من أكثر الأيام تميزًا لما يحمله من مباهج، كل شىء كان مبهجًا فى ذلك اليوم، تستطيع أن تقول إنه كان عيدًا للحواس الخمس، أو أنه اكتسب اسمه من قدرته على إشباع الحواس الخمس، فكان يوم الخميس يوم المتعة المتكاملة.. فمك يتمتع بتذوق أشهى الأطعمة، أذنك تتمتع بسماع «الست»، عينك تتمتع برؤية الأحبة والأصدقاء، أنفك تتمتع بالروائح العطرة القادمة من أطيب الطعام أو من أحب النساء، جسدك يتمتع بلقاء موعود أعددت له العدة وهيأت له الروح.
 
s
 
كان يوم الخميس عيدًا أسبوعيًا، يجدد فيه الواحد شباب أيامه.. محطة من محطات البهجة، يسعد بها المصريون بكل شىء وأى شىء، وحينما غابت هذه الطقوس عن أيامنا صار كل شىء شبيهًا بأى شىء، ومرت سنواتنا دون أن نشعر، وهنا نحاول أن نسترجع ما فات، أن نقول للزمان «ارجع يا زمان»، فالأمر بيدنا، ويوم الخميس مازال يأتى كل أسبوع.
 
 
لقرون طويلة حافظ الناس فى انتظام واتزان على قراءة الوقت، يبدأ الأسبوع بيوم السبت وصولا إلى الجمعة، ولكن فى غفلة من الزمن والأيام، نجح لصوص القداسة، على طريقة «بروميثيوس» سارق النار المقدسة من آلهة الإغريق وحكام جبل الأولمب، فى سرقة مفاتيح الأسبوع، فأصبح فجأة ودون سابق إنذار يبدأ من يوم الخميس، وينتهى فى ليلة الخميس، وفى مقام الاقتراب من ليلة الخميس المقدسة، يحق التساؤل عن مبعث اختيار هذه الليلة بالتحديد لتخليدها، ووضعها فى كتاب البهجة والانفلات من كل قيد أو ضغط، وقد يرد البعض الأمر إلى أنها الليلة المسبوقة بيوم الإجازة، ولكن محافظة جموع الباحثين على قدسية الخميس وثباته، حتى لو أجبرتهم وظائفهم على إجازات أخرى غير «الجمعة»، تدفع فى اتجاه البحث عن سبب آخر غير الإجازة.
 
حشيش
 
ربما تعود قصة ليلة الخميس مع الحشيش والجنس والأفراح إلى سياق زمنى أبعد مما نتذكر، فارتباط اليوم بالحشيش ربما أبعد أيضا من تاريخ نشأة جماعة الحشاشين وكبيرهم الحسن الصباح، فلا شك أن آلاف الممسوسين ببهجة الدخان الأزرق جمعهم به لقاء فى ليلة خميس، وملايين المربوطين بشهوة اكتمال الجسد بالجسد، غنّوا أغنياتهم البهيّة فى ليلة خميس، وملايين من «دخلوا دنيا» دخلوها يوم الخميس، ولكن متى تحول الخميس إلى عيد قائم بذاته وطقس يُستعد له ويُبذل من أجله كل غال ونفيس؟ أى إجابة عاقلة تعى قدر ما تحمله ليلة الخميس من بهجة ومتعة وخروج على الأطر والدوائر المغلقة، واحتباس الروح فى قمقم الواقع الضاغط طيلة ستة أيام فى الأسبوع، ومتى تحول هذا اليوم المسحور إلى يوم الهجرة من الوحدة وبداية الاقتراب بشريك العمر؟
 
 
 
ربما لو عدنا قليلا إلى الوراء يمكننا الوقوع على سبب، بين القرنين الخامس والسابع الهجريين، ظهرت طائفة من الشيعة الإسماعيلية النزارية، بعد انفصالها عن الفاطميين، وعُرفت بـ«الحشاشين»، تزعمها حسن الصباح، وعُرف عنها إلى جانب الخروج على الخلافتين الفاطمية والعباسية، والتحصن فى القلاع وقمم الجبال، أنها كانت تُجند أتباعها بعد تخديرهم بالحشيش، ومن هذا أخذوا اسمهم الشهير، ثم إفاقتهم فى قصر فخم ملىء بالجوارى والمغريات، وكأنها الجنة، ليعودوا لتخديرهم ثانية بالطريقة نفسها وقد أروهم الجنة، ما يضمن لهم إذا طلبوا منهم قتل أنفسهم أو تنفيذ عملية لا أمل فى العودة منها، أن ينفذوا طمعا فى الجنة التى شاهدوا وذاقوا متعتها، ووفق مصادر عدة كانت أغلب هذه العمليات تحدث فى أيام الخميس، ليخرج من وقع عليه الاختيار من الجنة إلى روحانية الجمعة وأجواء الصلاة، فيزيد هذا الأمر ثبات الفكرة فى روحه على أرضية من الدين والاعتقاد. ربما مع امتداد الأيام وزوال أسطورة الحشاشين، حافظ الناس على مساحة الخروج من العالم فى ليلة الخميس، الاقتراب من الجنة، الغياب عن الوعى، التفلت من القيود والأطر والضوابط المعهودة، على أمل العودة فى اليوم التالى لتجديد الرباط مع الله، وتكفير لحظات البهجة الكاسرة للنواميس والقوانين فى الليلة السابقة، وهكذا صنع الدين أسطورة ليلة الخميس.
 
يخرج العامل لمصنعه، والطالب لجامعته، والطبيب لعيادته، والمهندس لموقعه، والبائع لسوقه، لا شىء فى أدمغتهم ومدى نظرهم، إلا الركض على جثة الأسبوع حتى يفرغوا منه، يبدأون من اللحظة الأولى الاستعداد لاستقبال اللحظة الأخيرة، يوفر الطالب من مصروفه، والعامل من قوت يومه، والمريض من صحته، ما يكفى بالكاد لاقتناص قطعة صغيرة من البهجة، بحجم «تعريفة قديمة» من الحشيش، منبع الدخان الأزرق ومصب الوعى والأوهام، وفى أحيان لا يستطيع البعض الصبر لرؤية الدخان الأزرق، فيكتفون بقرص دواء «أزرق»، المهم أن تكون ليلة الخميس ملوّنة، بما يكفى لتلوين أسبوع جديد، على وعد آخر باللقاء.
 
ولا يحق لنا هنا أن نفصل يوم الخميس بأفراحه المنتشرة عن يوم الخميس بلياليه الحمراء، فأشهر أغانى هذا اليوم هى أغنية «يا ولاد بلدنا يوم الخميس هاكتب كتابى وأبقى عريس»، ومازال هذا المشهد الأثير الذى تستدعيه ذكرى ليلة الخميس محفورا بملامح صلاح منصور «العمدة» فى فيلم «الزوجة الثانية»، بينما تخاطبه زوجته «حفيظة»، سناء جميل، بحدّة قائلة: «الليلة يا عمدة»، منتزعة إياه من عروسه الجميلة سعاد حسنى، وبينما لم يُصرح الفيلم بأن الليلة «ليلة خميس»، ولكن ربما لارتباط الأفراح بالدرجة الأكبر بهذه الليلة، لا يمكنك العبور على هذا المشهد دون تذكر ليلة الخميس. 
 
أم كلثوم
أم كلثوم
 
فى ليلة الخميس يتحرر الرجل من كل شىء، يفتح مسامه ليتخلل الفرح تكوينه، ويعانقه حدّ الامتزاج، تتحرر الروح من جسدها وتحلق فى سماوات الله، يتحرر الجسد من سطوة الروح المهندمة التى تأكل وتشرب وتحب وتكره وتصدق وتكذب، وتمارس الجنس بحساب، وهنا يسقط الجسد المتحرر كتفاحة فى سرير تسترخى فيه السيدة التى فى كامل بهائها، تخرج أنفاس الرجل محملة بنشوة الدخان الأزرق لتسكن رئتى المرأة، وترتفع حرارة المرأة فتوقظ الجمرة التى كادت أن تنطفئ فى جسد الرجل، تمتد ليلة الخميس، يدور الدخان الأزرق فى دوائر لا نهائية، لا تتقاطع ولا تتخاصم ولا تنتهى، ويدور الجسدان فى دائرة واحدة لا حدّ لها، ولا مخرج منها، بينما يلمع صوت أم كلثوم مجلجلا: «هذه ليلتى وحلم حياتى».
 
حنة
 

«وتعالى يوم الخميس يا تاجر الحنة»

كيف غنت الشعوب العربية لهذا اليوم.. وكيف رآه أهل الصعيد والكويت والجزائر والعراق والسعودية

 
 
ما الذى تعنيه كلمة يوم الخميس فى التراث، إنها البهجة المطلقة المرتبطة بعودة الغائب ولقاء المحبين وتقارب المتباعدين وتحقيق الأمنيات، الجميع على موعد فى ذلك اليوم السعيد الذى يبدأ بصباحاته الدافئة، ثم يتوقف اليوم ولا يمضى عندما يفضى المحبون بأسرارهم فى ليله. 
 
يرتبط هذا اليوم بصناعة الحياة، ففى الصعيد ومنذ قديم، يتفق الناس ويختلفون حول مواسم الزواج، هل تكون فى الصيف أم فى الشتاء؟، وهل الأفضلية بعد حصاد القمح أم بعد جنى القطن؟، لكنهم يتفقون على شىء واحد، أن الفرح حتمًا سيكون يوم «خميس».
 
«يوم الخميس/ وتعالى يوم الخميس يا تاجر الحنة/ وتعالى يوم الخميس وكتر الحنة/ علشان نحنى العريس يا تاجر الحنة».. هذه الأغنية تتغنى بها الأمهات فى الصعيد الجوانى، والتى يدخلها باحثو الموسيقى فيما يطلق عليه «التحانين»، وتكون مرتبطة بحالة من الحنين والشجن، كانت تثير فينا إحساسًا غريبًا بمعنى الفرح ومعنى يوم الخميس، عندما تبدأ الأمهات معًا فى صوت واحد الغناء يصمت الجميع، ويهدأ الصخب، وتخرج جنيات النهر ليرددن معهن، وفى نهاية الأغنية تمسح الأمهات دموعهن التى سالت فرحًا.
وكنت أظن أن «يوم الخميس» ثقافة مصرية خالصة، بل وصل بى الظن إلى أن أصل الشعور بالبهجة وصناعتها تعود إلى الحضارة الفرعونية، لكن البحث السريع أثبت لى أنها ثقافة عربية أيضًا.
 

فى تسعينيات القرن الماضى استعاد الفنان الكويتى يوسف شافى أغنية «يا مال فرقا العين»: 

 
«يامال فرقا العين يوم حجزونى/ تضيق بى الدنيا وأنا مواعد أحباب/ يوم الخميس اللى يجى واعدونى.
 

السعودية.. «واعذابى عرسها يوم الخميس»

أما الملكة العربية السعودية فقد كان لتراثها احتفاء كبير بيوم الخميس، حيث غنى الفنان كمال حمدى، أغنية تراثية، وتقول كلماتها: 
«واعذابى عرسها يوم الخميس/ الموافق 9/7 عرسها»، أما أغنية الشيخ عمر الزاهى، كما يطلق عليه الجزائريون، فهى أكثر ما استوقفنى لحلاوة لحنها، ودفعتنى إلى إعادتها أكثر من مرة، والتى يقول فيها: 
 
«سبحان خالقى سلطانى/ من لا ينام ربى عالم الأسرار/ قدر واراد لى وبلانى/ زليت بالقد أم وزدت بالابصار/ حتى لقيت من سلبتنى/ حتى لقيت من سلبتنى بالحسن و البها/ و الزين المسرار/ يوم الخميس واش ادانى حتى لقيتها/ مصبوغة الاشفار».
 
بالطبع لا يمكن أن يمر يوم الخميس مرورًا باهتًا على أرض العراق، فنجد على العيساوى يغنى عن يوم الخميس بما يقارب الطريقة المصرية يقول: 
«الله يا يوم الخميس/ أحلى الأغانى والفرح يوم الخميس/ العرايس زافيهم بالهنا والشموع/ والحبايب من الفرح ضحكوا حتى الدموع/ يا عروسة حطى إيديك يا الله بإيدين العريس».
سهرة الخميس.. رحلتها من «اليوم المفتوح» إلى الـ«فيس بوك».. وجبات البهجة لم تنقطع عن التليفزيون المصرى فى هذا اليوم بداية من اضحك كركر وحتى أوسكار
 
 
ها هو قد أتى موعد الراحة الأسبوعية، حان وقت اليوم الذى نعود فيه من المدرسة بعد يوم دراسى طويل، لتتاح لنا الفرصة للجلوس بكل حرية، لا توجد نداءات من أمهاتنا للإسراع فى أداء الواجبات المدرسية، ولا فى تنظيم غرف نومنا، فغدًا هو يوم الجمعة، واليوم «يوم البهجة»، يوم الخميس، أو اليوم الذى يمكننا إطلاق عليه يوم التليفزيون المصرى، يوم السهر للساعات الأولى من صباح يوم الجمعة، «اليوم المفتوح» فى التليفزيون المصرى.
 
فقبل تشتت القنوات الفضائية كانت كل بهجتنا من خلال 3 قنوات فى التليفزيون المصرى، وبالتحديد القناة الأولى والثانية، فكنا نجلس بعد العودة من المدرسة أمام قنوات التليفزيون المصرى الثلاث لمشاهدة برامجها الخاصة بيوم الخميس، والتى كانت عكس بقية البرامج على مدى أيام الأسبوع، فكانت تغلب على البرامج الترفيه والمنوعات، وكان أبرز تلك البرامج برنامج «اليوم المفتوح» بموسيقى تتر بدايته الشهيرة التى لا يمكن لأذنى نسيانها حتى يومنا هذا، والذى كان عبارة عن بث مفتوح على مدى يوم الخميس، مكون من فقرات متنوعة ومجموعة من الحوارات، وما يطلبه المشاهدون وفقرة من أرشيف التليفزيون المصرى، وينتهى بأغنية ليلى مراد الشهيرة «اضحك كركر». 
 
لقطات افتقدناها كثيرًا فى زحام القنوات الفضائية، وعالم السماوات المفتوحة، وبالرغم أنه كانت لدينا 3 قنوات فقط، ولكن المادة المقدمة كانت مليئة بالثقافة والمعلومات الثرية التى تجعل وقتك أمام التليفزيون لا يضيع هباء. فكان واحد من تلك البرامج الثرية بالمعلومات، برنامج «أوسكار» على القناة الثانية، والذى كان يعرض الأفلام الأجنبية الشهيرة التى حصلت على جائزة الأوسكار، برامج وفقرات لا تقلق على ترك أطفالك أمامها دون مراقبة على مدى اليوم.
 
وعند المساء وبعد تناول الغداء تتجمع الأسرة كلها أمام شاشة التليفزيون لتناول «تموين يوم الخميس» من المكسرات والتسالى فى جو عائلى خاص، افتقدناه كثيرًا بعد استحواذ الهواتف الذكية على أنظار وتفكير كل فرد من أفراد أسرتنا، فكنا نتجمع فى السهرة منتظرين بداية عرض الفيلم الأجنبى الذى طال انتظاره على مدى أيام الأسبوع، ليتم عرضه على القناة الثانية، ونستمر فى الحديث عما تم عرضه فى الفيلم فى أول أيام عودتنا إلى المدارس بعد الإجازة الأسبوعية. وكأن التليفزيون المصرى وبرامجه كان رباطاً قوياً بين أفراد الأسرة، أما الآن، فكل يوم أعود لمنزلى وأمسك بهاتفى لأتصفح مواقع التواصل الاجتماعى بملل رهيب.
 
دراسه
 
 

التلاميذ فى المدارس والطلبة فى الجامعات والمغتربون فى كل مكان يرفعون شعار يوم الخميس «بعد الكلكعة تيجى الشخلعة»

الخميس هو اليوم الوحيد الذى تنطبق عليه مقولة «آخر العنقود سكر معقود»

 
 
ضحكات عالية، وضفائر حريرية، ونصف يوم دراسى، أبطاله حصص الرسم والألعاب والترفيه، هذا ما أتذكره من يوم الخميس بطفولتى، التى لا يختلف عن حال كثير من الأطفال فى ذلك اليوم الخاص المرتبط معنا بذكريات مميزة تباينت بين البراءة والمجون، فكل حسب ما يمثله له، ولكن ما اتفق عليه الجميع أنه بمثابة مصدر بهجة للمصريين، إنه الخميس يا سادة، وما أدراك ما الخميس، يوم الاستعداد للإجازة و«لمة العيلة»، حيث التخطيط لقضاء إجازة تمحو ما قبلها من تعب أيام الأسبوع بأكمله.
 
وليوم الخميس معى ذكريات، فكنا نحمد الله على تخفيض حصة مدرسية كاملة تكاد تمر علينا كالدهر، وهى الحصة الأخيرة، برتابتها ومللها والتفكير فى مغادرة المدرسة وبدء الإجازة، ليتميز عن غيره من أيام الأسبوع بخمس حصص فقط بدلًا من ست. 
 
وفى الغالب كانت حصص هذا اليوم السعيد ترفيهية، كل ما عليك أن تقضى أول حصتين بسلام لتضمن سعادة تدوم طوال اليوم، وذلك ببساطة لكونهما مقررتين لتلقى مواد دراسية جادة، ما دون ذلك بداية من الحصة الثالثة تتدخل الأنشطة بقوة، فتجد حصة الألعاب التى كنا نحولها إلى حصة تمثيل، وإذا مللنا التمثيل نلعب بما يحلو لنا من ألعاب نخرج بها طاقتنا الطفولية، وسعادتى بيوم الخميس لا يمكن أن تقارن بسعادة شاب بإحدى الكليات العسكرية، التى تحتم عليه البقاء بها منعزلًا عن أسرته لأيام طوال، يكون فيها الخميس الفارس المغوار الذى يخلصه من وحشة التدريبات والحياة العسكرية الجافة، ولا تقل تلك السعادة عن سعادة مغترب يقضى أسبوعه فى القاهرة، ليكون له الخميس المخلص من زحام العاصمة. 
 
«بعد الكلكعة تأتى الشخلعة» هذا هو شعار مساء الخميس الذى كنا نفعل فيه كل ما يحلو لنا، فهو عيد أسبوعى يلخص مقولة «آخر العنقود سكر معقود»، إنه الخميس، عريس الأيام، وصاحب الشخصية القوية التى يفرضها على الجميع بحضوره القوى، لما فيه من خروجات وفسح ننتظرها من الأسبوع للآخر، فالخميس يعنى دقت ساعة المرح، ففيه مشاهدة الفيلم الأكثر شعبية بها، وفيه خروجات «الكورنيش» والمشى على كوبرى قصر النيل، قبلة العشاق، العاصمة التى رفضت أن تخص احتفالات الخميس للعشاق فقط، فكانت البيت الكبير للأسر التى تخرج تتنزه بشوارعها، وللشباب الساهر على مقاهيها بمنطقة وسط البلد حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، ما بين حفلات ومسارح ومقاهٍ ومتنزهات.
ومع مرور الوقت أصبحت خروجات الخميس بالقاهرة لا تسمن ولا تغنى من جوع، ليتلخص الخميس فى سفرية للساحل أو الجونة لقضاء «ويك إند»، بعيدًا عن زحمة القاهرة، وأجوائها العملية السريعة، آملين فى خطف لحظات جميلة مع الأصدقاء، بعيدًا عن صخب الحياة، فتتغير مظاهر الاحتفال بليلة الخميس ويبقى سحرها الخاص المتغير بتغير الأجيال.
 

المحشى الليلة ليلة عيده

 
صينية عشاء كبيرة مستديرة تتراص عليها أوراق الكرنب المسلوق، وأكوام صغيرة من «خلطة المحشى»، وأم وأكبر بناتها تجلسان أمام شاشة التليفزيون تتجاذبان أطراف الحديث فى أثناء لف محشى الكرنب بطريقة أتوماتيكية، وكأن أيديهما تعرف ما عليها فعله مع تلك المهمة دون تركيز، فتتحدثان فى فلانة التى تزوجت الأسبوع الماضى، والخلافات التى حدثت بين العائلتين بسبب قيمة الشبكة والمهر، وعلانة التى سافر زوجها لإحدى دول الخليج، ولم تأتِ عنه أى أخبار، وأحاديث أخرى كثيرة تصبح وسيلة للتسلية أثناء تحضير «محشى الخميس»، البطل الذى ينتظر صعوده على مسرح المائدة المصرية مساء كل خميس. يوم الخميس الذى كان يعتبر عيدًا لمدة يوم واحد فى كل بيت مصرى، لا شك أن الأسر المصرية تعد الولائم كل يوم على مدى الأسبوع، ولكنى لا أدرى من أين جاءت أسطورة «محشى الخميس»، ولا أدرى ما هذا الرونق والحفل البهيج الذى يقام بمجرد أن يقترب الخميس، لتبدأ كل ربة منزل فى إعداد العدة لعمل المحشى، وكأنها معركة حربية لابد من التجهيز لها مسبقًا.
 
ولكن مع مرور الوقت أيقنت حقيقة الأمر، وأن اليوم هو الخميس وغدًا الجمعة، وهو الإجازة المقدسة عند المصريين، ولأنه «عريس» المائدة المصرية فلن تجد أى ربة منزل أفضل من المحشى لتقدمه لزوجها وأسرتها بعد عناء أسبوع كامل فى العمل والدراسة.
 
فكانت الأمهات كأمى، المرأة العاملة، أو الأخريات من ذوينا، يتبعن نفس الخطة، كمظاهر للاحتفال بيوم الخميس، فلم يكن يوم الخميس سوى محشى كرنب وبط وملوخية، وتجمع عند بيت جدتى بعد العشاء، أو قضاء ليلة الخميس أمام التليفزيون.
 
ولكن بالرغم من أن حالة الطوارئ كانت ترفع فى منزلنا عند تحضير المحشى، لكننى لا أعلم أين تسربت من بين أيدينا تلك «المسرحية» التى كنت أجلس لأشاهدها صباح كل خميس، ربما أخذتها إحدى أخواتى معها عند زواجها، أو تركتها أمى لتسترزق بها إحدى المشتغلات فى تحضير الأكل «البيتى» الآن، والتى أصبحت أمى تتعامل كإحدى أهم زبائنهن ليأتى لها الأكل البيتى معدًا وجاهزًا على التسوية فقط.
 
حقيقة لا أعرف السبب، ولكن كل ما أعرفه أننى أفتقد وبشدة تلك «الحفلة» التى كانت تقام صباح كل خميس فى صالة بيتنا بسبب «محشى كرنب» الخميس.
 
 
p.8

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة