سارة مجدى تكتب: إحنا فين والسعادة فين

الخميس، 14 سبتمبر 2017 06:00 م
سارة مجدى تكتب: إحنا فين والسعادة فين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى غضون رحلتى لاستكشاف الدول الاسكندنافية، مستغلة وجودى فى الدنمارك لحضور إحدى ورش العمل الصحافية، حاولت مليا فهم سبب الاحتكار الاسكندنافى لقائمة الدول الأكثر سعادة فى العالم، حسب التقارير العالمية.

هذه البلدان يتمتع أهلها بقدر كبير من الحرية والرخاء والأمان كما توفر لهم حكوماتهم خدمات صحية وتعليمية متميزة، ناهيك عن وسائل المواصلات والبنية التحتية والمرتبات المرتفعة التى تضمن رفاهية المواطن وتجعله الأكثر رضاءً عن جودة معيشته عالميا. فترى الابتسامة مرسومة على شفاه الجميع فى الشوارع والمواصلات والحدائق العامة، فى مشهد قد يبدو غريبا بعض الشئ لمن أتى لزيارتها من المنطقة التى نعيش فيها من العالم.

فى إحدى شوارع العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، التى تبوأت مركز الصدارة لقائمة الدول الأسعد عالميا لسنوات، لفت نظرى رجلا ميزه عبوس وجهه عن من حوله، وقد أفصحت لى عيناه الداكنتان وملامحه الشرقية عن هويته دون التحدث إليه. أثار هذا الرجل ما أثاره فى نفسى من شجن وفضول لمعرفة أحوال العرب فى هذه الدول الأكثر سعادة فى العالم، خاصة من جاءوا من أماكن أرهقتها الحروب ومزقتها الصراعات لسنوات طويلة. فهل من الممكن أن يتبدل بهم الحال وتذهب آلامهم الماضية طى النسيان لوجودهم فى هذا المكان " السعيد " أم أن الشقاء أتخذ على نفسه عهدا بعدم مهاجرتهم أينما وجدوا حتى لو كان وجوده أصلا غير مرحب به ؟.

قابلت عددا من أبناء الجاليات العربية فى النرويج والدنمارك والسويد لمعرفة الأجابة، فاتضح لى ما كنت أخشاه؛ وهو أن مغادرة أماكن الصراعات لا يعنى بالضرورة النجاة كليا من ويلاتها، وأن هناك نوعا أخر ملعون من الصراعات غير المرئية يمكنها مصاحبة المرء أينما وجد. أختلفت الظروف والأسماء وأماكن المنشأ لكن تمحورت جميع المنغصات التى تواجه أشقائنا العرب فى البلدان السعيدة حول ثلاثة مسببات رئيسية، تلخصها قصص سعيد ورضا وشوقى.

*ملحوظة: هذه ليست الأسماء الحقيقية للرجال الثلاثة حيث تم أخفاء أسمائهم الحقيقية بناء على رغبتهم.

سعيد وحلم لمّ الشمل

إلتقيت بالحاج سعيد فى أيامه الأولى بعد وصوله إلى العاصمة النرويجية أوسلو، وقد بدى قلقا وحائرا، فبدأ الحديث بقوله إنه يتمنى أن يتوفاه الله فى سوريا وسط أسرته.

أتى الحاج سعيد السورى إلى النرويج ضمن برنامج لمّ الشمل الذى مكنه من الهجرة إلى البلد الأوروبى نظرا لكون ابنه مواطن فيها. استقدمه ولده الذى جاء بشكل غير شرعى، بعد نجاحه فى الحصول على رخصة توطين فى الدولة الأسعد عالميا، وفقا للتقرير العالمى للسعادة لهذا العام.

كان الرجل يتوقف عن الكلام بين الحين والأخر لينظر إلى المارة وكأنه يريد التنصت على أحاديثهم، ثم قال أن عليه تعلم اللغة النرويجية كشرط أساسى للحصول على الإقامة الدائمة وأن السلطات المحلية ستقوم بإبلاغه بمواعيد دروس تعلم اللغة قريبا، ثم أدار رأسه فى عدم إكتراث وحيرة.

واصل الحاج سعيد كلامة بعد فترة سكون وقال إنه لا يتطلع أن يكون مواطنا نرويجيا ولا يرى جدوى فى تعلم اللغة فى هذا السن. وأضاف الرجل الذى تعدى عمره الستين عاما، أنه لا يتمنى حاليا إلا أن يجمعه الله بابنته الصغيرة ذات الـ 19 عاما. فهو استطاع تهريبها من سوريا إلى تركيا لكنه لم ينجح فى استقدامها إلى النرويج، حيث أن برنامج لمّ الشمل لا يشمل أفراد الأسرة من تجاوزت أعمارهم 18عاما فتبدد حلم جمع شمل الأسرة السورية فى مكان آمن.

"أريد الأطمئنان على ابنتى. أريد أن أراها آمنة وسالمة وسط اخوتها هنا قبل مغادرتى هذا الكون ".

رضا وأزمة الهوية

قابلت رضا فى العاصمة الدنماركية. فهو شاب فى الثلاثينات من عمره، يتحدث اللغة الدنماركية بمهارة ويمتلك مطعم للمأكولات العراقية فى مكان متميز بكوبنهاجن.

جاء الشاب العراقى إلى الدنمارك هربا من بطش صدام حسين، على حد قوله، حيث قتل والده واعتقل أخاه الأكبر فما كان لأسرته إلا أن تشجعه على الفرار من المصير المرتقب.

يقول رضا إنه جاء إلى الدنمارك فى سن مبكرة جدا لكنه إلى الآن يصعب عليه التأقلم والاندماج الكامل مع العادات والتقاليد الأوروبية. تزوج من فتاة دنماركية لكنهما أدركا سريعا أن اختلاف ثقافتهما سينتج عنه حتما جيل مشوه من الأبناء فابتعد عنها وابتعدت عنه. قرر بعد ذلك الزواج من عربية فاكتشف انه "غير شرقي" بما يكفى ليناسب توقعاتها وأحلامها فآثر عدم الزواج مطلقا.

يشعر رضا دائما بفقدانه لهوية ينتمى إليها ويحتمى تحت مظلتها " أنا دنماركى الجنسية من خلفية عراقية عربية. أخترت من الفريقين ما يروقنى وصنعت منهجا خاصا بى لاتبعه فى حياتى وأنا مقتنع تماما به. كلا الفريقين يرانى أجنبى عنه وأنا كذلك لا أرى أى منهما يمثلنى كليا فقررت الانطواء على ذاتى والتفانى فى عملى "

شوقى وانفراط عقد الأسرة الشرقية

أما شوقى فقد جاء إلى السويد مع زوجته منذ أكثر من 20 عاما. فهو حاليا مواطن سويدى يتمتع بكافة الحقوق والامتيازات ولديه عمله الخاص، لكنه لا يزال يحلم أن يعود إلى بلده فلسطين.

يقول شوقى إنه يشعر بخيبة أمل لعدم قدرته على اقناع ابنائه اعتناق ديانة الإسلام أو تعلم اللغة العربية. فهو يرى أن الحرية التى تتمتع بها هذه البلاد لا تتوافق مع المبادئ العربية الشرقية التى تمنى بناء أسرته على أساسها.

" مفهومنا الأسلامى أو العربى عن الحياة الأسرية يصعب تحقيقه بعيداعن أوطاننا. فنحن مختلفون جملة وتفصيلا".

من الإنصاف عدم التعميم بالقول أن المشهد كله بهذه الضراوة، فهناك من هاجر إلى هذه البلدان واستطاع التأقلم مع النمط الأوروبى وتمتع بحياة سعيدة وهنية. فهذا المقال هو مجرد محاولة لعرض بعض الأسباب التى قد تؤدى إلى عبوس بعض وجوهنا العربية فى هذه الدول التى تبدو لأى منا كاليوتوبيا (المدينة الفاضلة) بعيدة المنال، وأيضا حتى لا تتسرع أنت إذا رأيتهم فى حالة شرود فى هذه البلاد السعيدة وتصدر حكم عشوائى عليهم، كما فعلت أنا فى بادئ الأمر، و تقول أننا "مش وش سعادة".










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة