لم تكن مفاجأة حين أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزانى موافقته المبدئية على تأجيل استفتاء كردستان الذى كان مقرراً عقده يوم الخامس والعشرين من سبتمبر الجارى، لمدة سنتين، وذلك فى إطار المشروع البديل الذى تسلمه من ممثلى تحالف الدول الكبرى (أمريكا وبريطانيا وفرنسا).
قوى سياسية كردية
فبعد اجتماعه مع بيرت ماكجورك مبعوث الرئيس الأمريكى للحرب ضد داعش، والسفير الأمريكى فى العراق دوجلاس سيليمان، ويان كوبيتش الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فى العراق، وفرانك بيكر السفير البريطانى فى العراق، يبدو واضحا أن الضغوط التى مورست من القوى الكبرى دفعت بارزانى إلى قبول ما يعد "مشروعا بديلاً مرضيا عن الاستفتاء".
ضغوط إقليمية ودولية
منذ أن أعلن بارزانى الدعوة إلى التصويت على الاستفتاء واجه مشروعه السياسى حائطا صلبا من القوتين الإقليميتين الكبيرتين المجاورتين لكردستان وهما إيران وتركيا ومؤخرا أفادت تقارير إيرانية عن ذهاب الجنرال قاسم سليمانى قائد فيلق القدس، الذراع العسكرية الخارجية لمؤسسة الحرس الثورى، إلى أربيل لإقناع بارزانى بإرجاء الاستفتاء.
تركيا كان الأمر مماثلا، حتى إن أنقرة رحبت برفض مجلس النواب العراقى إجراء الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، وحذرت من أن الإصرار على إجراء الاستفتاء سيكون له ثمن.
وقالت الخارجية التركية فى بيان لها بعد أن أبدى البرلمان العراقى رفضه للاستفتاء برمته: "نؤكد على ضرورة وضع الإقليم الكردى فى اعتباره أن الإصرار على إجراء الاستفتاء رغم كل التوصيات الصادقة بعدم إجرائه سيكون له ثمن".
البرلمان الكردى
وكان مجلس النواب العراقى قد صوت بأغلبية أعضائه على رفض الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان الذى كان مقرر له يوم الخامس والعشرين من سبتمبر الجارى.
وووفقا لبيان الخارجية التركية فإن أنقرة تعتبر قرار مجلس النواب العراقى حول الاستفتاء إصراراً من بغداد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضى العراقية، وأنها تدعم هذا القرار بقوة، ومع ذلك أعلنت عن استعدادها للعمل من أجل تحسين العلاقات بين أربيل وبغداد.
وهكذا يبدو أن الرفض الغربى لم يكن إلا نتائج حتمية للرفض الإقليمى الذى ضغط بكل قوة لمنع هذا الاستفتاء بما فى ذلك التهديد التركى الضمنى بمعاقبة أربيل وذلك من خلال إما محاصرتها أو القيام بعملية عسكرية ضد قيام الدولة المفترضة.
الكرة فى ملعب البرلمان
ألقى بارزانى الكرة فى ملعب برلمان إقليم كردستان العراق، غاسلا يديه من تداعيات الموافقة من عدمها خاصة بعد أن أبدى موافقته على مشروع التحالف الدولى الداعى لإرجاء التصويت على النفصال لمدة عامين، ومن المعروف قدرة بارزانى وحزبه على التأثير فى قرار البرلمان.
لكن فى كل الأحوال أعلن برلمان كردستان العراق عقده جلسة للتصويت على تأجيل الاستفتاء من عدمه غدا الجمعة فى وقت متأخر من المساء، وذلك بعد رفض البرلمان الاتحادى فى بغداد منح الشرعية للعملية برمتها.
ومع الأخذ فى الاعتبار أن برلمان كردستان العراق، لم يمارس عمله منذ نحو العامين، إلا إنه سيجتمع فى تمام السابعة من مساء الجمعة بحث مسألة إكمال المسيرة نحو الاستحقاق أم تأجيله، وفقا لما قاله المتحدث باسم البرلمان.
وعليه فإن غدا الجمعة سيتم وضع النقاط على الحروف ويمنح إعلان بارزانى تأجيل ذهاب الأكراد إلى الصناديق غطاء دستوريا.
الثمن.. الصفقة.. المشروع
من المفيد فى هذا السياق التأكيد على أن رئيس إقليم كردستان العراق، مسعدو بارزانى رجل حصيف شديد الدهاء يقوم بالمناورات السياسية الواحدة تلو الأخرى مستهدفا من ورائها مرامى على المستوى الإستراتيجى، ومنها إرادته الاستمرار فى رئاسة حكومة الإقليم وتفعيل دور البرلمان الكردى حتى يكون برلمانا موازيا للبرلمان الاتحادى فى بغداد وليس مكملا له.
مظاهرات كردية
وهنا تتضح معالم الصفقة التى تمت بين بارزانى وبين مندوبى التحالف الدولى (واشنطن ـ لندن ـ باريس) لإرجاء الاستفتاء وهى استمراره على رأس السلطة فى البلاد والحصول على شرعية دولية وتشريعية لبيع النفط الكردى إلى خارج البلاد وليس إلى الحكومة الاتحادية، وهذا لن يتأتى إلا بتفعيل دور البرلمان الذى لم يمارس عمله منذ أكثر من عامين.
وبالتالى يمكن قراءة المشروع الذى تقدم به مندوبو الدول الكبرى على أنه متمثل فى إجراء الاستفتاء عن طريق الأحزاب والبرلمان مقابل مشروعية بيع النفط وإحياء البرلمان الكردى، وبالتالى تكون النتيجة أن يتعامل بارزانى كرئيس لدولة مستقلة وليس رئيسا لإقليم ويتعامل فى محيطيه الإقليمى والدولى كونه زعيما رأسا برأس مع زعماء وقادة دول الإقليم والعالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة