إيمان رفعت المحجوب

فى بيت صديقتى المسيحية

الجمعة، 15 سبتمبر 2017 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دعتنا كلنا على العشاء احتفالاً بمنزلها الجديد استقبلتنا استقبالاً كريمًا حافلاً كعادتها وعادة أسرتيهما العريقتين هى وزوجها فهم أهل أصل وكرم وحفاوة نعرفهم من أيام الصبا عشرة عمر طويلة فى حلوها ومرها كنا معهم وكانوا معنا، بيننا وبينهم محبة وود لا متناهيان ملائكة هم فى صورة البشر لا تجد منهم إلا كل طيب ولا تسمع منهم أو عنهم إلا كل خير بيتهم كالدير بابه مفتوح للكل أخلاقهم كالرهبان يساعدون الجميع دون مقابل، نعم الأهل هم ونعم الأصدقاء.
 
دخلنا البيت، دافئٌ هادئٌ جميل، تظله ظلال المحبة، تضيء القناديل خلفية المكان يبدو عليها علامات القدم من الجنزرة التى أصابت سبيكتها البرونزية العتيقة المتوارثة عبر الأجيال، ينعكس ضوؤها على قطع الأثاث المعمرة فتبرز جمالها وفنها منقطع النظير فى مثل هذه الأيام محدثةً بالعراقة والأصالة التى عليها البيت وأهله أبًا عن جد، القطع منتقاة بعناية وذوق وضعت فى أماكنها كأنما صنعها الفنان الماهر منذ أكثر من مئة عام خصيصًا لبيتهم هذا لتوضع فى أماكنها تلك، كل هذا فى أناقة بالغة ودون صخب أو مبالغة.
بحكم الصداقة القديمة ولكونى ممن يهوون هذا الذوق الكلاسيكى من الأثاث صحبتنى مضيفتى ترينى باقى أجزاء المنزل وخلفنا ابنتى ذات الثمان سنوات كلما دخلنا مكانًا هى وراءنا لا تفارقنا حتى انتهينا إلى غرفة نومها آخر الرواق عبرنا داخل خزانة طويلة مفتوحة تكسو المرايا كل جدرانها ولما أصبحت خلفنا وجدتنا مستقبلين مخدعها، وقفت طويلاً امام سريرها الضخم ذى الظهر المرتفع أتأمله مليًا، قطعة خشبية مهولة مليئة بالنقوش اليدوية البديعة وأربعة من العمدان الشاهقة تكاد تطال السقف وقد علتها ستائر فضفاضة تنسدل على الأربعة جوانب ثم تُرْخى على الارض فى نهاية رحلة طويلة متأنية على درجتين يعلوهما السرير! يزين أوسط الحائط أعلى السرير الأسطورى تمثالٌ خشبى ليسوع عليه السلام على صليب، يقطع تأملاتى صوت الطفلة لتفاجئنى أمام مضيفتى وكلها براءة بسؤال غريب: لماذا يضعون هذا الصليب فوق السرير؟ فأجبتها: لأنه كما ترين جميلٌ ويحبون أن يكون معهم حبيبتى فى كل مكان فأجابتنى من فورها أنا لا أحبه فلماذا يحبونه؟ أفلا يضعون شيئًا أجمل؟ فقلت: هو جميل حبيبتى وكل المسيحيين يحبونه ويزينون به بيوتهم كما تحبين أن نزين البيت! ولكن بدت الطفلة حيرانة لا تفهم!. 
شعرت أنى فى غاية الحرج لم أكن قد تطرقت مع ابنتى أو ابنى فى حديثى يومًا ما عن المسيحيين أو ديانتهم فلم يخطر ببالى على الإطلاق أن أشر لهذا، ما الذى يجعلها تتكلم كلامًا كهذا فيه خرقًا للذوق؟ البنت أعز صديقاتها مسيحية زميلتها فى المدرسة تأتى إلى بيتنا ونذهب عندها ولم تخبرنى ابنتى قط بمثل هكذا كلامًا !
هى تحضر حصة الدين فى المدرسة وتحفظ بعض آيات القرآن، ترانا نصلى ونصوم ولكن لم أقل أبدًا أن هناك ديانات مختلفة ولا أذكر أنى قلت لها ما ديننا، أنا فقط أربى كما تربيت على الأخلاق الطيبة والخصال الحسنة الصدق وحب الخير طبعا يخبرونها فى المدرسة إنها مسلمة لأنها تحضر حصة الدين مع المسلمين فى حين يُفْصَلُ عنهم فى نفس الحصة زملاء "يقال" إنهم مسيحيون ولذلك من المؤكد أنها سمعت هذا الكلام فى المدرسة لأن ما كنت متأكدة منه إنى لم أكن أبدًا المصدر فنحن لا نتكلم فى بيتنا بهذا الكلام! هى كطفلة لا تعرف شيئًا، لم تربط الصليب بالدين المسيحى بدليل إنها لم تستفسر عن إذا ما كانوا مسيحيين منذ البداية عندما رأت الصليب! وحين أخبرتها أنا إن كل المسيحيين يضعون الصليب فوق أسرتهم ويزينون به بيوتهم بدت فى حيرة وكأنها لا تفهم ما علاقة المسيحيين بالصليب !
هى كطفلة تحب صديقاتها المسيحيات فى المدرسة ولكن هناك من أخبرها وأخبر الأطفال أن الصليب شىء غير محبب ولم تربط هى بعقلية الطفلة بين ما قيل لها إنه غير محبب (الصليب) وما قررت هى أن تحب وهم أصدقاؤها المسيحيون! أخبروها أن تكره واختارت هى أن تحب ولذلك فصلت بينهما تمامًا! لم أكن وقتها سعيدة بما تسمع ابنتى خارج المنزل ويحز فى نفسى أن يبث فيها مثل هذه الأحاسيس السلبية التى ضاق بها صدر الطفلة الصغيرة ولم يستوعبها فأسقطها؛ بطبيعته الطيبة؛ عن التنفيذ فى الواقع على الأشخاص وقصرها على الجماد، الحمد لله كبرت البنت؛ التى استطعت أن أربيها وأخاها كما أحب وكما تربيت؛ على المحبة ولكنى كنت وما زلت غير راضية عن الثقافة التى تزرع فى النشء هذه الأيام كما لم تكن على أيامنا والتى علينا جميعًا رفضها والتى علينا جميعًا كآباء مسلمين ومسيحيين فى منازلنا ومدارسنا أن نكون رقباء على ما يبث فى عقول أبنائنا وأن نعمل سويًا على زرع الحب لا اقتلاعه وتبديله بالتمييز والكراهيه، علينا الترسيخ لثقافة احترام قناعة الآخر ومقدساته فلا نتطرق لها من قريب أو بعيد .









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة