بوابات وطلاب ومحاضرات وكتب، تلك هى الأشياء التى تتشكل فى ذهنك عند ذكر الحياة الجامعية ولكن فى هذا العالم المتداخل هناك الكثير من الجنود المجهولين الذين يقفون فى كواليس أيام الجامعة ويصبحون مع مرور الأيام خير شاهد ومؤرخ على تغير ملامح المكان بتفاصيله وأشخاصه، "عبدة أبو العز" الراجل الطيب الذى تجذبك إليه دون إرادة منك جلسته البسيطة على جانب الطريق داخل أسوار جامعة القاهرة، يغير فى جلسته بين الوقت والآخر ولكن يظل صندوق تلميع الأحذية ثابتاً فى مكانه أمامه فى انتظار ذلك الزبون صعب المنال الذى سيقص شريط الورنيش ويكتب أول حروف "رزق اليوم"، لا يمتلك سوى صندوق صغير بصم الورنيش عليه بالكامل وبعض من زجاجات الورنيش بألوانه المختلفة.
عم عبده
تقترب منه مزدحم الفكر لماذا يجلس هنا؟ هل يعتبر جامعة القاهرة مكاناً مناسباً للوصول إلى الزبائن التى لازالت تقوم بتلميع أحذيتها فى الشارع؟ وأسئلة أخرى كثيرة أجاب عنها باستفاضة عندما فتح قلبه لـ"اليوم السابع"، بدأ "عم عبده" حديثه بجملة صادمة قائلاً : "أنا هنا من سنة 62 وياما لمعت جزم ولاد الأكابر" ، فهو يبلغ من العمر 74 عاماً ولديه 8 من البنات جميعهن متزوجات ويعمل فى تلك المهنة منذ أن كان فى العاشرة من عمره ومتواجد داخل أسوار جامعة القاهرة منذ عام 1962.
عم عبده
يلمح فى عينيه شقاء السنين وتجد ملامحه قد نحتتها أشعة الشمس بسبب جلسته الطويلة فى هذا المكان، ويكمل حديثه : " أنا راجل كبير وممكن أقعد فى بيتى والحال هيبقى مستور بس مبقدرش أبعد يوم عن الجامعة" ، تتغير نبرة صوت عم عبده وكأنه يتحسر على جمال تلك الأيام" كانت أحلى أيام لما كنت بلمح جزمة طه حسين لما كان عميد الجامعة، جه بعده ناس كثير بس مفيش حد خد هيبته".
لا تقتصر تفاصيل يوم "عم عبدة" على الجلوس بهذا الشكل ولكنه كثيراً ما يصعد لعمداء الكليات وكبار الدكاترة فى مكاتبهم ويعقب على ذلك بأنهم يطلبونه بالاسم لإتقانه لعمله واستخدامه مواد اختفت من سوق تلميع الأحذية الآن.
ينظر بعيداً ليشاهد أرجل الطلاب وهى تطأ أرض الحرم الجامعى قائلاً بسخرية "هى دى جزم؟؟ كله تقليد" مضيفاً أن طلاب الجامعة قديماً كانوا يحترمون الجامعة ويأتون إليها مرتدين الملابس الرسمية والأحذية الجلد التى كانت تجعله يجنى فى اليوم مبلغ "محترم" بحسب وصفه يكفيه ويفيض فى إعالة أسرته، بعكس الحال الآن حيث احتلت الأحذية الرياضية أرجل الطلاب جميعاً وهو ما أثر على عمله بالتأكيد.
محررة اليوم السابع مع عم عبدة
ويسرد عم عبده ل"اليوم السابع"، ذكرياته مع طلاب الجامعة قديماً فيقول: كانت الجامعة مليانة بالطلاب من جنسيات كتير مبقتش أشوف كدة دلوقتى " ويعتبر طلاب الجامعة أبنائه ومنهم من يتخرج من الجامعة ويأتى خصيصاً ليطمئن عليه بين الحين والآخر.
يتحدث كثيراً عن الرضا الداخلى الذى يشعر به كل صباح وعن السعادة التى تسكن قلبه لمجرد أنه يأتى إلى الجامعة صباح كل يوم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة