"تحيا مصر.. وتحيا شعوب الأرض المحبة للسلام.. وتحيا مبادئ الإنسانية وقيم التسامح والتعايش المشترك.. والسلام عليكم"، بهذه الكلمات اختتم الرئيس عبد الفتاح السيسى كلمته فى أول مشاركة رسمية له فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال دورتها الـ69.
ثلاث سنوات وثلاثة أشهر مرت على تولى الرئيس السيسى مسؤوليته الوطنية، عقب الانتخابات الرئاسية التى جرت فى يونيو 2014، شهدت هذه الفترة انعقاد ثلاث اجتماعات دورية للجمعية العامة للأمم المتحدة – بخلاف الجمعية العامة لهذا العام التى تُعقد فى الفترة الحالية – بدأها الرئيس السيسى بالدورة 69 فى سبتمبر 2014، بينما لم يكن مر على وجوده فى قصر الاتحادية أكثر من ثلاثة شهور، كانت الصورة والانطباعات الدولية عن مصر مشوشة بدرجة كبيرة، نجحت جماعة الإخوان الإرهابية خلال الشهور التالية لثورة 30 يونيو، بجهود عناصرها فى الغرب ودعم وتمويل حلفائها فى قطر وتركيا، فى نقل صورة مغلوطة عن الأوضاع داخل مصر، وشجعت هى وداعميها من التيارات المتطرفة الأخرى موجات الإرهاب على التمدد والتوسع واستهداف الدولة المصرية ومؤسساتها ومواطنيها.
السيسى والأمم المتحدة.. 3 سنوات من العمل الجاد لتحسين صورة مصر
خلال الفترة التى شغل فيها السيسى موقعه، رئيسا لجمهورية مصر العربية، اجتهد ومعه مؤسسة الرئاسة والحكومة والدبلوماسية المصرية، فى نقل حقيقة الأوضاع، وإطلاع العالم على تفاصيل الصورة على حقيقتها، بل ولم يكتف بهذا، وإنما سعى لأن يوجه نظر العالم إلى خطورة ملف الإرهاب، ويضع أمامه رؤية استراتيجية وخطة تفصيلية لآلية المكافحة الفعالة لهذا الخطر الداهم.
شارك الرئيس السيسى خلال السنوات الثلاثة فى ثلاث جمعيات عامة للأمم المتحدة، فى الدورات 69 و70 و71، ويتواجد حاليا فى نيويورك للمشاركة فى أعمال الدورة 72، وخلال هذه الفترة نجح فى تغيير الصورة المغلوطة التى أشاعها الإخوان وداعموهم، واستعاد مكانة مصر فى المحفل الدولى المهم، ونقل رؤيتها الواضحة للعالم فيما يخص مكافحة الإرهاب، وبفضل هذه الجهود الحثيثة والمتواصلة أصبحت الصورة واضحة لدى الجميع.
بينما تنطلق فعاليات الدورة 72 للأمم المتحدة، وهى رابع دورة يحضرها الرئيس السيسى، تُمثل استعادة مشاركات مصر وخطابات الرئيس أمام المنظمة خلال السنوات الماضية فرصة قوية للوقوف على حجم ما حققته الدولة المصرية من نجاح فى عرض رؤيتها الاستراتيجية لمواجهة خطر الإرهاب، وهنا نستعرض أبرز محاور المشاركات المصرية فى دورات الأمم المتحدة الثلاث الماضية، وأبرز ما تضمنته خطابات السيسى، التى نجحت فى نقل حقيقة الأوضاع للعالم، وتغيير الصورة الإخوانية المغلوطة، وبالتبعية تغيير موقف كثير من القوى العالمية من مصر.
الخطاب الأول.. بداية إدراك العالم للوضع فى مصر وعرض محاور مواجهة الإرهاب
فى مشاركته الأولى وخطابه الأول أمام الأمم المتحدة، فى دور الانعقاد الـ69 للجمعية العامة قبل ثلاث سنوات، كشف "السيسى" للعالم طبيعة ما دار فى مصر بعد ثورة 30 يونيو، وقرار جموع المصريين بإنهاء حقبة حكم جماعة الإخوان الإرهابية، واتخاذهم قرارًا لا رجعة فيه بمواجهة التطرف والإرهاب مهما كان الأمر.
وقال "السيسى" فى هذا الخطاب: "لقد بدأ العالم فى إدراك حقيقة ما جرى فى مصر، وطبيعة الأوضاع التى دفعت شعبها بوعيه وحضارته للخروج منتفضا ضد قوى التطرف والظلام".
وخلال هذا الخطاب المهم، أكد السيسى أن ما تشهده المنطقة حاليا من تصاعد التطرف والعنف باسم الدين، يمثل دليلا على الأهداف الحقيقية لتلك الجماعات التى تستغل الدين، لافتا إلى أن قيم العدل والمحبة والرحمة التى تضمنتها اليهودية والمسيحية والإسلام، تحولت على أيدى تلك الجماعات لطائفية مقيتة وحروب أهلية وإقليمية مدمرة، يقع ضحيتها أبرياء من أديان مختلفة.
وأضاف "السيسى" فى كلمته، أن ما تعانيه المنطقة العربية والشرق الأوسط مشكلات ناجمة عن إفساح المجال لقوى التطرف المحلية والإقليمية، خلق بيئة خصبة للإرهاب وتنظيماته، ساعدتهم على التمدد وبسط النفوذ، وعرض "السيسى" فى خطابه رؤيته للسبيل الأسلم لمواجهة الإرهاب، وهى رؤية استندت على محورين رئيسيين لدعم بناء الدولة القومية، الأول يتضمن تطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون بناء على عقد اجتماعى وتوافق وطنى مع توفير كل الحقوق، لاسيما الحق فى التنمية الشاملة، بما يُحصّن المجتمعات ضد الاستغلال والانسياق خلف الفكر المتطرف، والثانى يتمثل فى المواجهة الحاسمة لقوى التطرف والإرهاب ومحاولات فرض الرأى بالترويع والعنف وإقصاء الآخر بالاستبعاد والتكفير.
الخطاب الثانى.. العقل فى مواجهة التطرف والإسلام برىء من الإرهاب
فى مشاركته الثانية باجتماعات الجمعية العامة، تحدث الرئيس السيسى أمام الأمم المتحدة فى دور انعقادها الـ 70، متناولا الدور الذى تلعبه مصر كدولة عربية إسلامية، اختارت أن تكون فى طليعة الدول المواجهة للإرهاب، وكيفية إعمال العقل فى مواجهة التطرف، مؤكدًا أن قلة من المسلمين تفسر الدين الإسلامى بشكل خاطئ، وأنها لن تنجح فى السيطرة على أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، كلهم يرفضون الخضوع لهذا الفكر المتطرف.
وقال "السيسى" فى هذا الخطاب: "لقد ميزنا الخالق سبحانه وتعالى - نحن البشر - بالعقل الذى كان وسيلتنا للتعرف عليه، كما أن قدرتنا على الاختيار باستخدام هذا العقل هى أبلغ دليل على أن اختلافنا هو مشيئة إلهية تأبى على البشر أن يكونوا بلا إرادة، إن تلك الحقيقة الدامغة مع بساطتها، من شأنها أن تهدم كل دعاوى المتطرفين على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم، لا سيما هؤلاء الذين يدعون أنهم وحدهم من يملكون الحق فى تفسير الإسلام، ويتناسون أن ما يروجون له ليس إلا تفسيرهم المغرض للدين، الذى لا يمكن أن يكون هو الإســــلام بســـماحته وعـــدله ورحمتـــــه، لأن إنكارهم لحق الآخرين فى الاختلاف إنكار لمشيئة الخالق".
وأضاف الرئيس السيسى: "لا شك فى أن أكثر من مليار ونصف المليار مسلم يرفضون الخضوع لفكر تلك القلة القليلة التى تدعى احتكار التحدث باسمهم"، مؤكدا أنه يشعر بأسى وحزن كل مسلم حول العالم عندما يواجه التمييز والأحكام المسبقة لمجرد انتمائه لهذا الدين العظيم.
وتساءل "السيسى" فى كلمته التى استحوذت على اهتمام جموع الحاضرين، عن عدد المسلمين الذين ينبغى أن يسقطوا ضحايا للتطرف المقيت والإرهاب البغيض حتى يقتنع العالم أننا جميعا، مسلمين وغير مسلمين، نواجه خطر الإرهاب دون تفرقة، متابعا: "كم من أبناء الدول التى تعانى ويلات الإرهاب ينبغى أن تراق دماؤهم حتى يبصر المجتمع الدولى حقيقة ذلك الوباء الذى تقف مصر فى طليعة الدول الإسلامية وفى خط الدفاع الأول فى مواجهته؟ وحتى نقتنع أنه لا بديل عن التضامن بين البشر جميعا لدحره فى كل مكان؟".
الخطاب الثالث.. التصدى للإرهاب لن يحقق غايته إلا بالتعامل مع جذوره
الخطاب الثالث كان أكثر وضوحا وتركيزا على الأهداف الاستراتيجية والخطوات الفعالة لمحاربة الإرهاب بشكل ناجع، فى هذا الخطاب الذى ألقاه الرئيس السيسى فى دور الانعقاد 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال العام الماضى، عرض السيسى رؤية واستراتيجية مصر للتصدى للإرهاب، كما طرح مبادرة للاهتمام بشكل أكبر بالجوانب الثقافية والتنمية الثقافية والمعرفية لمواجهة الفكر المتطرف.
وقال "السيسى" فى خطابه: "لقد أضحت ظاهرة الإرهاب، بما تمثله من اعتداء على الحق فى الحياة، خطرا دامغا على السلم والأمن الدوليين، فى ظل تهديد الإرهاب لكيان الدولة لصالح أيديولوجيات متطرفة تتخذ الدين ستارا للقيام بأعمال وحشية والعبث بمقدرات الشعوب، الأمر الذى يستلزم تعاونا دوليا وإقليميا كثيفا".
وأكد "السيسى" رؤية وسياستها فى مواجهة الإرهاب، لافتا إلى أنها حرصت دوما على تأكيد أن التصدى للإرهاب لن يحقق غايته إلا عبر التعامل مع جذوره، والمواجهة الحازمة للتنظيمات الإرهابية والعمل على التصدى للأيديولوجيات المتطرفة المؤسسة للإرهاب ومروجيها.
ودعا الرئيس السيسى فى خطابه، المجتمع الدولى لاتخاذ كل التدابير اللازمة للحيلولة دون استغلال الإرهاب للتقدم المعلوماتى والتكنولوجى الذى ساهم فى إضفاء أبعاد خطيرة على ظاهرة الإرهاب والتطرف الفكرى، جعلها أكثر تفشّيًا فى عالم اليوم، الأمر الذى يستوجب العمل من أجل وقف بث القنوات والمواقع الإلكترونية المحرضة على العنف والتطرف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة