تظل القصة القصيرة، أحد فنون الكتابة الأدبية، والتى وصفها الكاتب العالمى الكبير نجيب محفوظ بإنها "شعر الدنيا الحديث"، وكان ذلك يقصد بذلك السرد أو النثر الأدبى مقابل القصيدة.
ورغم ذلك ربما تواجه القصة القصيرة الآن تجاهل أو حربا، فى ظل نشر عدد قليل منها مقابل الأشكال الأدبية الأخرى وفى مقدمتها الرواية، حيث تباينت آراء عدد من الناشرين والكتاب والنقاد حول مستقبل القصة القصيرة.
قال الناقد الدكتور شريف الجيار، أستاذ النقد والأدب المقارن، إن القصة القصيرة استطاعت فى الفترة الأخيرة أن تجد خطا مشروعا وموقفا يناسب طبيعة التوهج العالمى والحراك السياسى الدولى وسرعة التكنولوجيا فى التواصل بين الشعب والكتاب والأفراد، فى ظل كل هذا استطاعت القصة أن تجد مشروعية الوجود فى زمن قيل عنه إنه "زمن الرواية".
وأضاف "الجيار"، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هذا يؤكد عدم وجود طفو نوع أدبى على الآخر سوا شعرا او سردا، وأن هناك حالة توهج، موضحا إنه يعتقد أن مصر والمغرب قد انتاجا فى الفترة الأخيرة، زخما كبيرا من الإنتاج القصصى إلى جانب الروائى والشعرى، وهو ما يوكد كثرة الإنتاح من القصة القصيرة والرواية والشعر.
وتابع "الجيار"، لكن فى ظل فى التجديد، نظرا لكثرة الكتاب وخاصة الشباب بالذات لم تتعامل دور النشر، بما يوازى حجم ما ينتج، لكن دور النشر الحكومية استطاعت أن تساهم فى نشر العديد من تلك الأعمال بجانب بعض دور النشر الخاصة.
وأوضح أستاذ النقد والأدب المقارن، أن ربما تعود تراجع نشر دور النشر الخاصة فى نشر القصص إلى ضعف ميزانيتها، وعدم استطاعتها مجارة أسعار الورق والطباعة.
وتابع شريف الجيار، لكن فى المجمل أريد أن أقول إن الإبداع المصرى بخير والكتاب فى مصر لا يقل أهمية عن الكتاب فى أى دولة أخرى مثل المغرب، وخاصة الشباب والتى يجب تسليط الضو عليهم، وهنا نسعى للشد على أيدى دور النشر الخاصة، لإنتاج قصص للشباب بجانب كبار الكتاب، حتى يحلق ويستطيع النقد الأدبى أن يحدد سمات الظاهرة القصصية للأقلام الإبداعية فى مصر.
من جانبه قال الكاتب والقاص شريف صالح، إنه لا يعتقد أن القصة القصيرة تراجعت، لكنها وكما يسميها فرانك أوكونور "الفن الخالص" وطبيعة مثل هذا الفن أنه يكون عصيًا على التسويق، وإعادة الإنتاج فى وسائط الحكي والثرثرة الشعبية، موضحا على سبيل المثال نجيب محفوظ ترك نحو عشرة مجاميع قصصية متميزة، لكن وسائل الإعلام والوسائط الأخرى تتهافت على رواياته، وقلما تلجأ إلى قصصه.
وأضاف "صالح"، كان هناك لحظة اكتشاف وشغف بالقصة القصيرة مع دخول البشرية عصرها الحديث وظهور الصحافة المكتوبة التي روجت للنصوص القصصية القصيرة، واستمرت هذه التقاليد في الصحافة والمجلات الثقافية، لكن تلك التقاليد هي التي تراجعت، والصحافة الثقافية نفسها تحتضر، أما القصة القصيرة فأظنها مازالت تملك جاذبيتها لكثير من الكتاب، حتى من نجحوا مع الرواية، وعن نفسي أصدرت ست مجاميع قصصية نالت التقدير والجوائز مصريًا وعربيًا، وإحداها طبعت مرتين، وسعيد بما يصلني من صدى رغم علمي أن كتابة رواية واحدة يمكن أن يحقق شهرة مضاعفة ورواجًا، وهذا أمر لا يعنيني.
وأوضح "صالح"، إلى أن قبل عامين التفتت جائزة نوبل للقصة القصيرة ومنحتها للكاتبة الكندية أليس مونرو التي شيدت مجدها عبر منجزها القصصي، مشيرا إلى أن نادرًا ما يكون هناك كاتب كبير لا يترك سهمًا في هذا الفن المراوغ مثل بورخيس وكافكا وماركيز وتشيخوف ويوسف إدريس وزكريا تامر، مؤكدا إلى أن عادة إذا ما تراجع "فن" ما خطوتين إلى الوراء، مثل القصة القصيرة أو المسرح، فهذا يعني أنه يساءل أدواته ولغته ويتخلص من أي شوائب تسويقية قد تكون علقت به، وأظن هذا حسنًا.
من جانبه قال الناشر وائل الملا، مدير عام دار مصر العربية للنشر والتوزيع، إن القصة القصيرة، والشعر، والمسرحية، "الجمهور مش بيحبهم، وملهمش سوق"، مشيرا إلى أن الشعر ربما يباع أكثر ويكون للكتاب ذوى الشهرة الواسعة على "الفيس بوك" والذين يقوموا بنشر أجزاء من قصائدهم، وأغلبهم أنصاف موهوبين، على حد تعبيره.
وأضاف "الملا"، أن إحجام الجمهور عن القصة القصيرة والأشكال الأدبية الأخرى مثل الشعر والمسرح، أدى إلى تراجع دور عن نشر عن إصدارها، خوفا من التعرض لخسائر، مؤكدا فى الوقت ذاته، إلى وجود عدد كبير من كتاب القصة القصيرة سوا المشهورين أو المغمورين جيدين، ولكن اتجاه السوق للرواية أكثر.
وأشار "الملا" إلى أن قوائم البست سيلر فى المكتبات مثال واضح على ذلك، حيث يغلب عليها الروايات، والأعمال الضعيفة، نظرا لإن لاقبال نوع كبير من الجمهور جديد القراءة.
وقال الناشر إسلام فتحى، مدير عام دار الحلم للنشر والتوزيع، إن المجتمع المصرى، يصعب فيه ترسيخ شكل معين للقراءة، حيث إنه منتنوع المزاج، مستشهدا بحل الكتب الساخرة بعد ثورة يناير، والتى لاقت إقبالًا كبيرا تلك الفترة، ثم تحول اهتمام القراء للكتب السياسية تماشيا مع الأحداث التى شهدتها البلاد فى تلك الفترات، حتى أصبحت مبيعات تلك الكتب الآن يصل إلى "صفر" مقارنة بالرواية والتى عادت بقوة، على اهتمامات القارئ.
وأضاف "فتحى" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن العامل النفسى للجمهور، ربما يمثل عامل أساسى فى اهتمامه بالرواية، خاصة وأن أغلب القراء يميلون للقصص الطويلة، وهو ما ينعكس مع القصص التى تنتهى وتبدأ قصة أخرى سريعا، مؤكدا أن ذلك يؤثر بشكل كبير على المبيعات، ما يجعل دور النشر يحجموا على نشر تلك القصص خوفا من أى خسائر فى ظل أزمات النشر الموجودة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة