التحولات فى السياسة الإقليمية والدولية لا تحدث فجأة، وهناك ما يسمى التحول الكمى الذى يتراكم ليظهر التحول الكيفى، فيما يشبه الغليان كنتيجة لتسخين متواصل. من هنا فإن حدثا وقع قبل عشر سنوات قد تظهر نتائجه الآن تتراكم الأحداث وتتغير العلاقات والمواقف تبعا للمصالح.
كل هذا يجعل بعض الأحداث تبدو مفاجئة، بينما هى تنمو طوال سنوات حتى تصبح جاهزة للظهور، ولعل ما يجرى اليوم فى العراق وسوريا مثال على هذا التحول الذى يبدو مخالفا للكثير من التوقعات حول سقوط دمشق ورحيل الرئيس السورى بشار الأسد، أو توسع داعش فى العراق وسوريا لتقوم دولة مزعومة تحصل على دعم إقليمى ودولى.
كان هذا فى ذروة الأحداث خلال عام 2011، بدأت بحملة دعائية وإعلانية من قنوات وصحف كانت تنفخ وتبالغ فى تحركات التغيير بين الشعب السورى، وتم استغلال مطالب التغيير، لتكون نقطة انطلاق لحرب أهلية هدفها النهائى تفتيت سوريا بين أطراف طامعة، ظهر ما يشبه تحالف أطلسى وخليجى بدعوى دعم المعارضة ممثلة فيما سمى «الجيش السورى الحر».
قدمت الدول الأطلسية ومعها قطر وبعض دول الخليج السلاح والمال والسيارات ذات الدفع الرباعى، لمعارضة غير ظاهرة، واختفى الجيش الحر لتظهر تنظيمات داعش والقاعدة وباقى تنظيمات الإرهاب التى كانت تخوض حربا بالوكالة لا علاقة لها بالشعب السورى، ولا التغيير والديمقراطية، والدليل أن قطر التى أنفقت على هذه الحرب مئات المليارات لا علاقة لها بالشعب السورى ومطالبه ولا بالديمقراطية والحرية، وإنما بمصالح النفط والغاز وهو نفس ما كانت تسعى إليه تركيا أردوغان، وتداخلت معها روسيا التى كانت مصالحها تتعارض مع تفكيك سوريا.
كانت تركيا هى الداعم اللوجيستى وممرا للمقاتلين من أنحاء العالم إلى سوريا والعراق، وكان هدف أردوغان انتزاع جزء من سوريا بدعوى منطقة آمنة، وكانت علاقة أردوغان بالقاعدة وداعش متواصلة، حتى كشفها الصدام بين تركيا وروسيا فى أعقاب إسقاط الطائرة الروسية فى الأراضى السورية، لتبدأ تحولات الموقف التركى، خاصة مع ظهور الأكراد كطرف فى المعادلة يمثل تهديدا لتركيا.
ومع كشف روسيا لعلاقة ابن أردوغان بداعش والنفط العراقى والسورى المسروق، بدأت خسائر وتحولات الموقف التركى تجاه الأزمة السورية، وتراجع أردوغان عن ربط الحل فى سوريا برحيل بشار الأسد، وهو نفس الموقف الذى أعلنته دول أوربا، ومنها ألمانيا وفرنسا، مع تعقد العلاقة بين تركيا وإيران، إيران تدعم الأسد وتركيا دعمت محاولات إسقاطه.
ومع تراجع داعش وهزيمته فى الموصل بالعراق وأكثر من مدينة سورية، حلب والرقة ودير الزور، بدأت مرحلة جديدة، سوف تحسم مصائر عدد من الدول ومصائر بعض الأنظمة التى دعمت داعش والقاعدة، فيما تجاوز الإرهاب حدوده الإقليمية لتمتد إلى أوربا فى هجمات مختلفة.
ولا شك أن تراجع وهزيمة داعش، تؤثر بشكل واضح فى حلفائها، ضمن معادلة معقدة، تتغير فيها مصائر أنظمة ودول وتنظيمات، تبحث عن مستقبل فى ظل تقلبات المواقف بناء على تقاطعات المصالح، وهى تحولات تبدو مفاجئة، لكنها نتاج تفاعلات مستمرة من سنوات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة