طاهر الخولى

ما بيـن مؤيد ومعارض لقرار مجلس القضاء الأعلى بوقف البث المرئى للمحاكمات

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017 02:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يدور فى الآونة الأخيرة جدل قانونى داخل الأروقة القضائية والمشتغلين بالقانون ما بين مؤيد ومعارض لقرار مجلس القضاء الأعلى الصادر فى الثانى من أغسطس عام 2017 بمنع بث جلسات المحاكمات تليفزيونياً وبضرورة الالتزام بقرار مجلس القضاء الأعلى، السابق صدوره بجلسة الرابع من أكتوبر عام 2010 مع التنبيه على السادة القضاة وأعضاء النيابة العامة الالتزام بما ورد به من تحذير مخالفته تجنباً للمساءلة، وذلك بناء على طلب مقدم من رئيس نادى القضاة فى 26/7/2017 من اتخاذ مجلس القضاء الأعلى ما يلزم من إجراءات نحو وقف بث المحاكمات إعلامياً إعلاءً للقيم وتقاليد القضاء الراسخة.
 
وما بين مؤيد ومعارض لهذا القرار فسوف نستعرض وجهات النظر المتباينة وحجج كل فريق سواء من الجانب الدستورى والقانونى والجانب الآخر القابض والمعتصم بقيم وتقاليد القضاء الراسخة.
 
فالفريق المؤيد لضرورة البث المرئى للمحاكمات الجنائية يستند إلى مبدأ علنية المحاكمة وهو من المبادى العامة فى إجراءات المحاكمة ولأهميته فقد ورد بدستور 2014 فى المادة 187 أنه [جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم فى جلسة علنية] وتضمنها أيضاً قانون الإجراءات الجنائية فى المادة 268 فى قولها: «يجب أن تكون الجلسة علنية ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها فى جلسة سرية أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها».
 
كما أكد مبدأ علنية المحاكمات - قانون السلطة القضائية فى المادة 18 أنه:
«تكون جلسات المحاكم علنية إلا إذا أمرت المحكمة بجعلها سرية مراعاة للآداب أو محافظة على النظام العام ويكون النطق بالحكم فى جميع الأحوال فى جلسة علنية».
 
فالعلة من علنية المحاكمة هو سند سياسى مردوده إلى الحرص على إشراك الشعب فى المحاكمات والقضايا التى تهم الرأى العام وتمكنه من الاطلاع على سير المحاكمة وهو يقضى على مبدأ المحاكمات السرية التى كانت فيما مضى أحد مظاهر الاستبداد السياسى، والعلانية للرأى العام تجعله رقيباً على إجراءات المحاكمة فيدعم الثقة فى عدالتها ويحمل القضاة على تطبيق صحيح القانون ويقود ممثل النيابة العامة والمدافع عن المتهم والشهود للاتزان فى القول والاعتدال فى الطلبات والدفوع وهذا المبدأ يرسخ مبدأ الاطمئنان لدى المتهم والمجتمع.
 
ومن أهم مظاهر مبدأ العلانية هو حق جمهور الناس بغير تمييز فى حضور جلسات المحاكمة والاطلاع على ما يدور فيها وعلمهم بالحكم وهو حق أصيل للصحافة والإعلام أن تنقل كافة وسائل الإعلام سواء المرئى أو المسموع جميع إجراءات المحاكمة كى يدعم الأثر الرادع للقانون فى الدولة.
 
فالتغطية الإعلامية عريضة الاتساع وإن كانت لها مخاطرها على قضاة هيئة المحكمة، إلا أن هذه المخاطر هى التى يتعين أن تنظر المحكمة إليها بعين يقظة 
وأن تدفعها بكل قوة لضمان حق كل متهم فى ألا يُفصل فى التهمة الموجهة ضده 
إلا على ضوء أدلتها ونصوص القانون التى تحكمه دون غيرها.
 
وعلى ضوء ما تقدم، يمكن القول بأن علانية المحاكمة وإتاحة المحاكمات للجمهور والرأى العام إنما يُرسخ الثقة فى منظومة القضاء، فالسماح بإذاعة المحاكمات يعمل على رفع ثقة الجمهور فى النظام القضائى ويعزز الشفافية، فكان من الممكن أن يأتى قرار منع بث المحاكمات موضحاً ومقنناً ومفرداً لحالات المنح أو الحظر ما إذا كان ذلك من قبيل المواءمات السياسية أو لاعتبارات أمنية أو غير ذلك من الضوابط القضائية ولا يكفى أن يأتى قرار الحظر على إطلاقه دون تعيين أو تحديد. 
 
أضف إلى كل هذا أن القانون أجاز للمحكمة مراعاة للنظام العام أو المحافظة على الآداب أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها فى جلسة سرية، وهذا طابع استثنائى لا تستعمله المحكمة إلا فى أضيق نطاق لأن انعقاد الجلسة سرية هو خروج على الأصل العام وهو علانية المحاكمة المنصوص عليه دستورياً وقانونياً.
 
ومن ثَم يرى هذا الفريق أن قرار عدم البث المرئى للمحاكمات الجنائية يصطدم بالدستور والقانون الذى أوجب مبدأ علانية المحاكمات.
 
وعلى الجانب الآخر وهو يمثل الغالبية من القضاة الرافضين للبث المرئى للمحاكمات الجنائية حفاظاً على قيم وتقاليد الأسرة القضائية الأمر الذى دفع رئيس نادى القضاة لرفع طلب لمجلس القضاء الأعلى كى يتخذ ما يلزم من إجراءات نحو وقف البث المرئى للمحاكمات، إعلاءً للقيم والتقاليد القضائية فاستجاب مجلس القضاء الأعلى بقراره فى 2/8/2017 بوقف البث التليفزيونى للمحاكمات، وهو ما يسمح للإعلاميين والصحفيين بحضور ومتابعة جلسات المحاكمة لمتابعتها والسماح لهم بالتصوير الفوتوغرافى دون التسجيل الصوتى والمرئى بكافة وسائل الاتصال.
 
وحجج هذا الفريق أنه يجب إعلاء القيم التى تصونها التقاليد التى أرستها الأسرة القضائية فاحترام المنصة العالية يجب أن يُراعى ويحاط بسياج الهيبة والجلال، حفاظاً على هيبة القضاء وسموه وعلو شأنه فى أذهان المجتمع.
 
وبين مؤيد ومعارض لهذا القرار نجد أن كل فريق له حججه القانونية والمنطقية التى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار والاحترام والتقدير.
 
وبمطالعة قرار مجلس القضاء الأعلى نجد أنه قد صادفه صحيح القانون - 
 
من الجانب القانونى- لأنه استقطع من مبدأ العلانية جزءا يسيرا منه وهو البث التليفزيونى، وأطلق لمبدأ العلانية العنان بكافة جوانبها ولم يحظرها على إطلاقها وأطلق للصحافة وللإعلام حضور كافة جلسات المحاكمة والسماح بنشرها بكافة وسائل الاتصال واطلاع أفراد المجتمع عليها، وهو أمرٌ محمودٌ تمسكًا وترسيخًا لإعلاء القيم والتقاليد القضائية التى هى أحد تيجان القضاء المصرى.
 
فهيئة المحكمة ملزمة بنص القانون وفقاً للمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أنه «يجب أن يشتمل الحكم على الأسباب التى بنى عليها وكل حكم بالإدانة يجب أن يشتمل على بيان الواقعة والظروف التى وقعت فيها وأن يشير إلى نص القانون الذى حكم بموجبه».
 
فتسبيب الأحكام يُعد من أهم الغايات التى فرضها القانون على القضاة وأوجب التدقيق والإمعان للوصول لوجه الحقيقة حتى يسلموا من مظنة التحكم والاستبداد ويرفعوا به ما قد يكون قد ران على الأذهان من الشكوك فيدعون الجميع إلى عدلهم مطمئنين وكى تباشر محكمة النقض أعمال رقابتها على الوجه الصحيح من تطبيق صحيح القانون، وهيئة المحكمة ملزمة بقوة القانون بالنطق بالحكم فى العلنية بتسبيب أحكامها وغير ملزمة أن تعقد مؤتمرات صحفية لتشرح وتفند أسباب ومبررات حكمها كما لم يرد نص قانونى يلزمها بهذا الأمر. 
 
وفى هذا الإطار المرن المتوازن المحسوب.. نميل إلى الرأى المؤيد من أنه لا مانع من البث المرئى والسمعى للمحاكمات الجنائية مشروطاً ومعلقاً بموافقة مجلس القضاء الأعلى إعلاءً للقيم والتقاليد القضائية، مع التأكيد على أن هيئة المحكمة غير ملزمة بأن تعقد مؤتمرات صحفية تشرح وتفند للرأى العام الأسباب والمبررات لأسباب الحكم الذى وقر فى وجدانها وترسخ فى يقينها، ولكنها ملزمة بنص القانون بالنطق بالحكم فى العلنية وأن يشتمل حكمها على الأسباب التى بُنى عليها من حيث الواقع والقانون. 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة