لا تبدو التحولات الجارية، اليوم، إقليميا فى سوريا والعراق بعيدة عن تراكم لتغيرات تمت ببطء، وجرى فيها تغيرات فى مصائر التنظيمات والجماعات التى نشأت على ضفاف الفوضى منذ ما بعد الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003، حيث ترصد التقارير بدايات نشأة داعش بعد سقوط بغداد وقرار الحاكم الأمريكى للعراق بول بريمر بحل الجيش العراقى، الأمر الذى كان مقدمة لتفاعلات ما بين عسكريين محترفين فى جيش العراق مع تنظيم القاعدة.
ساد تنظيم أبومصعب الزرقاوى الأردنى القادم من أفغانستان، لكنه قتل فى عام 2006، ويرى بعض المحللين أن مقتل الزرقاوى كان جزءا من مرحلة إعادة بناء تنظيم داعش، الذى نشأ بصورة غامضة، ولا يستبعد كونه كان تنظيما ساهمت فى قيامه عناصر وعوامل كثيرة، أهمها أبوبكر البغدادى وهو ضابط عراقى سابق دخل سجون الاحتلال الأمريكى وهرب فى عملية بدت مرتبة ومعه عدد من الضباط السابقين.
وتشير بعض الشهادات إلى أن هروب البغدادى كان مدبرا وبالاتفاق مع الأمريكان، لتبدأ مرحلة إعادة بناء التنظيمات المسلحة التى يطلق عليها الصحفى الألمانى كريستوفر رويتر أنها أكبر تنظيم استخباراتى فى العصر الحديث. شرح رويتر فى كتابه «السلطة السوداء» كيفية بناء داعش، معتمدا على عدد من الوثائق نشرتها ديرشبيجل الألمانية عثر عليها فى منزل سمير عبد محمد الخليفاوى وشهرته «حجى بكر» وهو ضابط عراقى سابق وينسب له التخطيط لإنشاء داعش، سافر من العراق إلى تل رفعت بشمال سوريا فى حماية القوات المدعومة من حلف الناتو بترتيب من تركيا.
قتل حجى بكر فى منزله عام 2014، وعثر بعد مقتله على كمية من الوثائق حول خطط التنظيم وتحركاته وكيفية التوسع والتجنيد، وكان الهدف انتزاع جزء من العراق وسوريا لإعلان دولة منفصلة، وبالفعل وصل داعش ذروته عام 2012، احتل مساحات من شمال سوريا، ثم تمدد إلى العراق وتم الإعلان عن قيام ما سمى الدولة الإسلامية، ومبايعة أبوبكر البغدادى.
احتاج داعش حوالى 8 سنوات ليظهر ويصل إلى ذروة وجوده، فى عام 2014، قبل أن يبدأ منحنى الهبوط، خاصة بعد أن بدأت وثائق وعلاقات داعش تتكشف بأنظمة ودول وأجهزة، فضلا عن توسيع التنظيم لعملياته فى أوروبا، بما يمثل تهديدا حقيقيا، خصوصا مع عجز أجهزة الأمن الأوروبية عن الإمساك بخيوط وعلاقات مرتكبى هجمات الدهس والتفجيرات، ثم إن منفذى الهجمات فى باريس ولندن وبرلين وغيرها هم ذئاب منفردة بلا سوابق وملفات أمنية، وعلى جانب آخر فإن داعش يضم تنوعا من المقاتلين الأوروبيين من بريطانيا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وغيرها لا توجد بهم سجلات مؤكدة.
وقد بدأت تتكشف علاقات داعش بشركات ومؤسسات مالية أوروبية وأمريكية، الأمر الذى يمثل تطورا جديدا فى موقف داعش والتنظيمات المرتبطة بالقاعدة، وهى تنظيمات لم تكن بعيدة عن المؤسسات والأنظمة الإقليمية، ثم إنها نجحت، حسب بعض التقارير، فى تنفيذ اختراقات أمنية لبعض الدول الأوروبية من خلال شبكات ما تزال مجهولة، الأمر الذى يجعل مستقبل داعش مرهونا بشكل التنظيم ومؤسساته فى أوروبا، حيث يمكن أن يتجه الفارون من العراق وسوريا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة